منذ بداية إعلان الأستاذ مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عن إنشاء حزب سياسي للجماعة وأن برنامجه سيتم إعلانه في وقت قريب ساورني الشك ,لان قبل هذا الإعلان بأيام لم تكن كثيرة كنا نتحدث مع بعض الإخوان للخروج من نفق التعديلات الدستورية المشوهة والتي ركزت علي منع أي أحزاب علي أساس أو مرجعية دينية وبعد الضربات الأمنية التي وجهت للجماعة من اعتقال نائب المرشد المهندس خيرت الشاطر وعدد كبير من القيادات المؤثرة في الجماعة وقلت وقتها أن الحل والخروج من هذه الأزمة هو إنشاء حزب سياسي مدني وحتى وان تم إعلانه من طرف واحد لتأكيد أن عملنا في الجماعة ليس سريا وليس مجرما لكن لاقت دعوتي عدم قبول ليس لان الأشخاص الذين كنت أتحدث معهم غير مقتنعين بفكرة الحزب بل بالعكس ولكن لأنهم يفهمون طبيعة الجماعة وبشكل جيد
هل تغيرت قناعات الصف الإخواني ووعيت معني العمل السياسي العلني
فالغالبية العظمي من الصف الإخواني وهم ما أطلق عليهم (شعب الإخوان )لا يفهم معني الحزب والعمل العام لأن انتمائه للجماعة عاطفي بشكل كبير وينقصه كثير من الوعي والفهم والإدراك لخطاب الجماعة نفسه الذي قد يراه هذا الصف خطاب إعلامي لا يخصه في شئ فهو لا يدرك معني المواطنة ولا يفهم فكرة قبول الأخر بل كنت أري أشخاصا لا يتفهمون معني التحالفات مع التيارات الأخرى بدعوى لما نتحالف معهم وهم عددهم قليل إضافة أنهم علمانيون وشيوعيون والستات اللي معهم بيحضروا المظاهرات سافرات وهذا ليس كفرا منهم بهذه المبادئ بل لغياب الوعي والفهم
ولكن أعلن المرشد عن الحزب وبالفعل تشكلت لجنة لإعداد البرنامج وشارك أحد المتحاورين معي في هذه اللجنة والتي دارت بها مناقشات جيدة وصحية وبناءة وان كانت متأخرة , فقلت وقتها حسنا خطوة علي الطريق ومن السهل أن يتم إيضاح الأمور للصف
ولكن ظل بداخلي أسئلة تمت الإجابة عن بعضها في تصريحات لعدد من قيادات الجماعة وأخري لم يتم الإجابة عنها
أهم هذه الأسئلة هل اقتنعت الجماعة بفكرة الحزب ودوره في المجتمع ككيان إصلاحي سيكون له أدوار اجتماعية وثقافية وحضارية قبل أن يكون له توجهات سياسية ومطالب بمقاعد في البرلمان أم أنه لن يزيد عن كونه ذراع من أذرع الجماعة "الشاملة " ولن يزيد الأمر أن يكون هذا الحزب مسار للعمل له مسئول يتابعه قيادات الجماعة الدعوية والسياسية (لأنها شاملة )والإجابة كانت صريحة من خلال حوارات كثيرة تم إجراؤها مع الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد أن الحزب هو بالفعل تلك الذراع وتبين لي من خلال الرؤية الإخوانية تجاه هذا الحزب أنه سيمثل واجهة جديدة للعمل باسم الإخوان مثل دخول الطلاب اتحادات الطلاب وكذلك النقابات المهنية وأيضا مجلس الشعب فهي كيانات غير مستقلة يتابع نشاطها الجماعة الشاملة وقد يغير مسارها مشرف مكتب الإرشاد عنها
وسؤال أخر من الذي سينتمي لهذا الحزب ؟ هل ستترك الجماعة الباب مفتوحا لكل من يرغب وما هي أليه انضمام الإخوان هل ستكون بتصريح من نقيب الأسرة أم بإرادة مباشرة للراغبين في العمل السياسي العلني ؟ وهو سؤال لازال يحتاج لتوضيح في ظل زعمي بأن حشود هذا الصف غير واعية وإنما تسير وفقا لمبدأ السمع والطاعة حتي وان لم تفهم المغزي المطلوب من التحرك المنوط بهم عمله
الدولة الدينية
السؤال الثالث هل بالفعل ستتقدم الجماعة بإنشاء حزب سياسي ؟ الإجابة كانت بالنفي لاستبدادية النظام وعدم قانونية لجنة الأحزاب إذن لماذا هذه الزوبعة ولماذا نعلن عن حزب وبرنامج وما الداعي لهذه الفرقعة الإعلامية والتي يشوبها الآن أثار سلبية نتيجة البرنامج المطروح لما فيه من عوار مثل تكريس فكرة الدولة الدينية والتي ظهرت في الدعوة لإنشاء هيئة من كبار علماء الدين لتكون هي الصوت الحاسم في دستورية القوانين ومحاسبة رئيس الجمهورية والذي يعرف في إيران" بولاية الفقيه" والسؤال هنا ومن سيحاسب هؤلاء العلماء أم ستكون لهم العصمة ؟!!!
ولماذا أصلا هذا الطرح ونحن نعلن ليل نهار أننا نؤمن بحق الأمة في مراجعة الحاكم وأن الشعب هو مصدر السلطات وهو يختار مجلس للحل والعقد لإدارة الدفة التشريعية والقانونية للبلاد وهو المعروف في الدولة الحديثة بالبرلمان وطبقا لمبدأ الفصل بين السلطات فالمحكمة الدستورية هي التي تفصل في دستورية القوانين من عدمها لماذا هذا الإقحام غير المبرر وإثارة تخوف كافة التيارات من الجماعة وهو أننا نريد إنشاء دولة دينية ثيوقراطية ونحن نعلن ليل نهار أننا ضد هذه الدولة الدينية ومع ذلك فهيئة كبار العلماء تهدم كل الأفكار المدنية التي نتحدث عنها
المواطنة
جاء في برنامج الحزب في فصل الدول أن مصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية يكفلها القانون وفق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وهو كلام راقي ولكن يخالفه رفض الجماعة لتولي الأقباط والمرأة الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية وأنا لا أتحدث سوي عن حق الترشيح الذي يكفله مبدأ المواطنة السالف الذكر والاختيار في النهاية للأمة التي هي مصدر السلطات , قد يقول الفقهاء أن لا يجوز شرعا هذه الولاية إذن عندما يحدث ذلك لا تنتخبهم فهذا حقك في الاختيار لكن حق القبطي والمرأة أيضا أن يتقدما للترشيح
فكرة عدم جواز ولاية القبطي والمرأة كانت في ظرف معين لكن نحن نتحدث عن دولة جديدة اسمها دولة المؤسسات هي التي تحكم والرئيس هو شخص يسير الأمور وفقا للقانون والدستور القائمين فلو دعت الجماعة لفتح باب الاجتهاد الفقهي في هذه المسألة بدلا من أن تصدر رأيا باتا فيها لكن أفضل لها ولكان تصديقا لمبدأ المواطنة الذي نحرص أن نعلن أننا مؤمنين بها
إلا أنه للأسف إيمان منقوص وفهم مبتور ليس للمواطنة فقط بل لمبدأ أن الأمة هي مصدر السلطات
مفارقات
إن طرح الجماعة الكلي جيد سواء لتأكيدها مبادئ مثل المواطنة ودستورية الدولة ومدنيتها وقيامها علي أساس الشوري ( الديمقراطية ) والقانون إلا أن الإقحام الذي ذكرناه وأهمية تغيير البنية الثقافية لصف الجماعة تمثل مفارقات هامة في تعاملها مع المجتمع والتيارات و الأحزاب الأخرى وهذا الإقحام يدل علي أن فريقا دعويا لا يعي بالفقه السياسي هو المسيطر علي حركة الجماعة السياسية وهذا يخالف الفكرة الإسلامية نفسها فنحن نؤمن بأن الإسلام أتي بمنهج كامل ديني واجتماعي وسياسي وثقافي وهو ما نطلق عليه ( شمول الإسلام ) لكن هذا الشمول ليس معناه أبدا أن يتحكم في الأمر الأشخاص الذين لا يعون كل ما أشتمل عليه مشروع النهضة الإسلامية والذي كان الأستاذ البنا أحد أعمدته بل أزعم أن هذا الطرح يخالف أطروحات الأستاذ المؤسس .
وأنا أدعوا أستاذتنا الكرام القائمين علي وضع هذا البرنامج بالعدول عن هذه عن هذه المفارقات وخاصة وهم يعرضون هذا البرنامج في قراءة أولي وطلبوا من عدد من المفكرين إسدائهم النصح في هذا الجانب وكانت هذه المفارقات ما صدم هؤلاء المفكرين من برنامج الجماعة