Sunday, May 11, 2014

حكمة السيدة كييل ..عن سر البهجة والسعادة


خرجت وصديقان الأسبوع الماضي خارج لندن بحثا عن إجازة أسبوعية مختلفة
أرشدنا الناصحين هذه المرة الي الجنوب حيث مدينة " بورنموث " وهي خلافا لعادات المدن الجنوبية فهي مدينة منفتحة جدا ومليئة بالبهجة ، استقلبنا يومنا الأول فيها بفرقة موسيقية مبهجة من موسيقاهم وايقاعهم المفرح علي الآلات والأرواح
حاولت ان أبحث عما يميز المدينة فوجدت علي صفحات الويكيبديا ان أهل مدينة بورنموث هي حسب إستطلاع أجري في العام 2007 هم أسعد وأبهج سكان بريطانيا دون توضيح للسبب
وإن بدت السعادة فعليا علي أهلها الذين جروا الي شاطئ المدينة الذي وصفته صفحات الويكيبديا أيضا بأنه أجمل شواطئ بريطانيا - وهو قريب الشبه جدا بمصيف جمصة في مصر -
بينما في المساء ينطلقون مرحين في الشوارع وترتدي البنات شارات وتيجان ملكات الجمال ، كنت أظن ان مناسبة ما تستدعي ارتداء البنات لهذا الزي المميز ، ولكن أتضح أن هذا سلوك احتفالهن الدائم بالإجازة الأسبوعية
في اليوم التالي قررنا أن نخرج الي غابة في أطراف المدينة ، واستقلينا تاكسي كانت تقوده سيدة في نهاية الاربعينات او مطلع الخمسينات ، كييل وهو اسمها، كانت البهجة تنثر من وجهها وضحكاتها الصاخبة النقية تكاد تسمع اهل المدينة ، السيدة بدأت بتحفزينا للغابة وتدلنا علي معالم البهجة والاستمتاع فيها
طلبنا من السيدة كييل ان تعود إلينا في نهاية اليوم لإعادتنا الي وسط المدينة حيث نسكن
وفي رحلة العودة كانت مثل الأم التي تستقبل صغارها تسألهم عن رحلتهم واستمتاعهم ، كانت سيدة شديدة الصدق والبساطة
وفي محاولة لجذب أطراف الحديث سألها أحد أصدقاؤنا هل هي متابعة لما يحدث في مصر فأجابت بالنفي ، فألح الصديق هل لديكي أي انطباعات عن مصر وما جري فيها بشكل عام خلال السنوات الماضية
فردت بضحكاتها المميزة أنها غير مهتمة بالسياسة في بريطانيا حتي تهتم بمتابعة مصر
فسألها صديقنا الثالث عن سر هذه البهجة التي تميزها ، كانت اجاباتها بسيطة جدا مثلها ، قالت أنا لا أهتم بأمور السياسة او الدين
قدر ما كانت كلماتها الصادقة بسيطة ولكنها لمعت جدا في أذني وأنا وزملائي عملنا في الصحافة يغمسنا في السياسة ، وفيما يخص الدين فنحن من بيئة محافظة ومهتمة بأمور الدين
مما يعني أننا أبعد الناس عن بهجة كييل
نعيش ونبتسم ولكننا لا نملك حقيقة سعادة كييل التي تعمل علي التاكسي ما يقرب من 12 ساعة يوميا وهو مما لا شك عمل مجهد
ولكنها كتلة من البهجة بل أنها تكاد تنقل لنا هذه العدوي النافعة
أسبوع مر وأنا أفكر في حكمة السيدة كييل
وازددت تأملا في حكمتها وأنا أشاهد للمرة الأولي الفيلم اللبناني " وهلأ لوين " الذي يناقش الأزمة الطائفية في لبنان وسعي سيدات احدي الضيع اللبنانية أن يثنين أزواجهن وأبناؤهن عن المزاج الطائفي
في سياقي دراماتيكي حتي وصل بهن الحال ان يقطعن طريق فرقة رقص اوكارنية ليمكثن في قريتهن لتغيير مزاج الرجال ، بل وضعن حشيش في الحلويات لسطل الرجال عن واقع الخلاف ، وفي جانب مؤلم كتمت أم وفاة أحد أبناؤها في تراشق طائفي واصابت قدم أبنها الآخر برصاصة حتي لا يخرج للانتقام لأخيه ويشعل فتيل فتنة في الضيعة
هنا عادت الي حكمة كييل في سعي شخصيات الفليم إبعاد رجالهن عن السياسة والخلافات المذهبية
إن السعادة تكمن في الإبتعاد عن السياسة والدين
بلا شك ليست هذه دعوة والعياذ بالله للإلحاد أو حتي السلبية والإنضمام لحزب الكنبة
ولكنها دعوة ﻷن نحيا بشرا بلا تمييز ، دعوة للانتماء للحالة الإنسانية المجردة التي ولدنا عليها وعشنا رضع وأطفالا نبتسم لمن يبتسم لنا دون وعي منا ونصرخ عندما نري ما يشبه انه يخفينا ، نعودة لفطرة طفولتنا التي تشبه بهجتها صورة السيدة كييل في ربما بلغت عقدها الخامس
ليست دعوة للكفر مطلقا ، لكن اليقين أن إيماننا بالله ووطنيتنا لا يكمنان في الكراهية والحقد والكآبة
أيها الفرقاء خذوا سعادتكم من كييل :)