Sunday, August 10, 2014

الثورة يوسف

 
الفقد هو الإحساس الأكثر ألما في حياتنا اليومية .. ان تفقد أبا كان هو سندك في الدنيا .. أن تفقد حبيبا فتحت له قلبك وشعرت أنه سيشاركك عمرك .. أن تفقد جزءا من جسدك في حادث أليم .. أن تفقد طفلك الذي ارتسم المستقبل في مولده .. أن تفقد ثورتك التي رسمت لك صورة جديدة من إنسانيتك
في الطريق الي الحياة فقدت يوسف وكان هو الألم الذي لم يبلغه ألم قدر ما فقدت الثورة ...
عندما تبدأ حياتك الجديدة وتنتظر مولودوك الأول وترسم له مستقبله في خيالك ، ويداعبك الخيال عن صورته شكلي ولا شكل أمه حيشتغل ايه ويتجوز مين ثم يأتي وتصرخ الدنيا بصراخه فرحا بها أهلا يوسف
كانت سورة يوسف أحب سور القرآن الي قلبي .. أفرح حين اقرأها ألوم أخوته علي ظلمه ... أفزع عندما تراوده زليخه ان يضعف .. أبكي حين يستعيذ بالله من ان تغويه.. أشعر بالفخر عندما جاءه اخوته ويبصر أبيه من جديد
أنا يوسف يا أبي ... ساعة او ساعات .. يوم .. ودخل يوسف ابني جب لم يعد منه .. دخل جب رحمة الله واختياره
لن يعرف الألم الا من فقد وأعوذ بالله لكم أن تفقدوا .. يكاد نفسي يتوقف وانا استلمه لاواريه التراب بدلا من اشتري ملابس السبوع .. احتضن جسده الصغير والصغير جداً في طريقي به الي القبر وليس الي البيت ..
تقل الأنفاس واحدا تلو الآخر أنا أضع وأهيل عليه التراب بدلا من أرشح عليه الملح ...
لكن سيشتد بك الألم ويخنقك الوجع كأنما لديه يدين قويتان تقبضان علي رقبتك لتمنع عنك الهواء عندما تفقد طفلا قد ولد وعشت معه عام واثنين ثم في لحظة يدخل جب يوسف
نفس المشاعر التي راودت خيالي ويوسف في بطن أمه وكان حملها ثقيلا .. والثورة في في حملها .. عمر من الألم ... ذل وظلم وسجن وبعد وفقد ثم يأتي النور لحظة المخاض في كل الميادين أرحل أرحل ..
وكانت ولادة قيصيرية حجب الجنين عن أهله فيها سنوات .. يا حرية فينك فينك
قالوا حجبت الحرية عن هذا البلد ٣٠ سنة وربما يعود الحجب لحكم العسكر نفسه أي لأكثر من خمسين سنة
والآن كانت لحظة الميلاد .. تنحي بعد ٣٠ سنة ظلم وقهر و وجع ... لن أستطيع أبدا أن أنسي يوم ١١ فبراير ٢٠١١ في ميدان التحرير وأنا أبكي من الفرح .. أبكي لأغسل كل سنين الظلم التي مرت .. أمحي أيام التعذيب في أمن الدولة بمدينة نصر
أغسل بها فترات السجن .. أقول لأبويا أنا أسف اني وجعتك من سجن الي سجن لحد ما اتقهرت ومت
كنت بصرخ وبقول له اخدت تارك من اللي قهروك علي ابنك لحد القهر ما موتك .... حرية حرية حرية ...
نوارة بتزغرد وتعيط من الفرحة .. مفيش كسرة نفس تاني مفيش ذل تاني مفيش خوف تاني مفيش ظلم تاني
تاني فقد تاني وجع .. يقف العادلي يقول علي الفرحة دي مؤامرة .. يقف القاتل يقول علينا عملاء
قهر تاني وظلم تاني وسحل وسجن وانتهاك شرف وقتل تاني ... يا حرية فينك فينك
{ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ }
تاني نحط التراب بدل ما نرش الملح .. يا رب الوجع أكثر احنا شفنا وعيشنا وحسينا بالحرية ... كمان اخوتنا وناس شاركتنا الفرحة هما يشاركوا أخوات يوسف ويخططوا لإنهاء الثورة او القاؤها في جب العسكر

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ }
...
يوسف مات بعد يوم من الولادة وبعد تسعة أشهر من التعب والحلم والخيال .. أنا وأمه لا ننساه رغم أننا نتحاشي ان نتحدث عنه ، اسم يوسف عندما يقال أمامنا تشق قلوبنا بالسكاكين
لكن الثورة ولادتها كانت صعبة ٣٠ سنة يا رب الحمل في الحرية كان كلها وجع والمولود يجي ونعيش معاه سنة واتنين ونفرح بيه يضيع تاني ... { وَقَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
الثورة بالنسبة لي كانت الفرحة والأمل والمستقبل الثورة كانت كل حلم شفته في يوسف وضياعها والغدر بيها فيه كل مشاعر فقد يوسف
{ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }