لم يكن أحد يتوقع أن ينفجر حزب النور السلفي الذي يعد الحزب الثاني والقوة الاسلامية الثانية بعد جماعة الاخوان المسلمين وحزبها في مصر بهذه السرعة، وكأننا نشاهد حالة فلاش باك للواقع الحزبي في عهد الرئيس المخلوع وسرعة تفخيخ الأحزاب الناشئة
د عماد عبدالغفور |
انفجار الحزب يبدو في ظاهره ان حركة اصلاحية علي رأسها عبدالغفور ترفض الوصاية التي تفرضها الدعوة السلفية (المحضن الذي خرج منه النور السلفي )، حيث يحاول تيار من قيادات وشباب الحزب التخلص من سيطرة مشايخ الدعوة السلفية علي اموره
الخلاف بدء مكتوما داخل اروقة الحزب والدعوة السلفية عقب انتخابات البرلمان حيث اصبح اسم النور بارزا ولامعا وربما يخطف الاضواء من الدعوة والدعاة الذين أسسوا هذا الكيان لممارسة العمل السياسي من خلاله ولكن ضعفهم التنظيمي وغياب التنظيم الحاكم غل يد هؤلاء المشايخ يوما بعد يوم ،عن ادارة الكيان الوليد الذي سبقت بعض من مواقفه السياسية جماعة الاخوان المسلمين ذات الثمانين عاما من الخبرة السياسية والتنظيم
فسعت عناصر من الجبهة الدعوية وقيادة الدعوة السلفية علي رأسها الدكتور ياسر برهامي الي محاولة السيطرة علي الحزب من خلال حث مريديه من الشباب الي الانضمام للحزب
د ياسر برهامي |
وبدي أن القرار داخل الحزب يأخذ مسارين من المشاورات واحد في اروقة الحزب ولجانه وهيئته العليا، ومسار أخر من خلال مجلس شوري الدعوة السلفية ومجلس إداراتها ومجلس الامناء ولعل ذلك ظهر واضحا في قرار دعم المرشحين للرئاسة
وحاول مشايخ الدعوة حسب المصادر من جبهة عبدالغفور ادارة شئون الحزب من مقر الدعوة السلفية في الاسكندرية ، وكان من اهم قرارات هذه الادارة التي تحاول السيطرة علي الحزب
دعوتها الي اجراء اختبارات داخلية لأعضاء الحزب لمراجعة قدراتهم علي خوض الانتخابات الداخلية
هذه الاختبارات التي تزعم جبهة ممن يطلق عليهم ابناء الحزب الأصليين انها محاولة لاختبار انتماء المرشحين للمشايخ وابعاد كل المختلفين ، حتي النتيجة النهائية بأبعاد الدكتور عماد عبدالغفور رئيس الحزب عن مكانه
وفي محاولة لوأد الخلاف استطاع عبدالغفور بالتوافق مع عدد من عقلاء مشايخ الدعوة علي رأسهم الشيخ محمد اسماعيل المقدم تمرير قرار وقف هذه الانتخابات الداخلية التي كانت فتيل هذا النزاع
إلا أن التيار الذي يبدو اكثر تشددا في الدعوة السلفية وعناصره في الحزب قرر ضرب قرارات رئيس الحزب عرض الحائط، واختاروا من بينهم قيادة تستكمل هذه الانتخابات، وتدير الحزب من مقر الدعوة السلفية في الاسكندرية وهو السيد مصطفي خليفة الذي عينوه رئيسا للحزب .
الساعات الأخيرة قبل الانفجار قررت جبهة عبدالغفور أن تكشف لأعضاء الحزب ومريدو الدعوة السلفية حقيقة بعض القيادات بانهم سعوا للتعاون مع كوادر الحزب الوطني المنحل في انتخابات الرئاسة لدعم المرشح الرئاسي الخاسر أحمد شفيق اخر رئيس وزراء عينه الرئيس المخلوع حسني مبارك
وزعمت جبهة عبدالغفور أن المهندس أشرف ثابت كان يقوم بالتنسيق مع شفيق للحصول منه علي تطمينات للدعوة السلفية في الوقت الذي تلتقي قيادات الدعوة بمرشحي الرئاسة من الاسلاميين لاختيار واحد منهم لدعمه
ازدادت رقعة الخلاف داخل اروقة الحزب بعد تجاهل مؤسسة الرئاسة ترشيح مشايخ الدعوة السلفية لأشرف ثابت ليشغل منصبا في مؤسسة الرئاسة بينما اختار الرئيس عماد عبد الغفور علي غير رغبة منهم .ليكون صعود الأخير لسدة مؤسسة الرئاسة هو فتيل هذه القنبلة ،اقصاء عبدالغفور بهذه الطريقة من الحزب له العديد من الدلالات السياسية والتنظيمية المعبرة عن تركيب التيار السلفي
الدلالة التنظيمية تعبر عن هشاشة تكوين التنظيم السلفي وعدم تجانسه الفكري ، فتيار الدعوة السلفية يقوم علي قيم مظهرية ونصية كأطلاق اللحي وحفظ متون الأحاديث بينما لا يوجد خيط فكري واضح يجمع هذا الحشد الظاهر هذا بخلاف عدم الخبرة في تكوين التنظيمات المحكمة كالتي اسستها جماعة الاخوان المسلمين او التيارات الشيوعية
وظهر ذلك بوضوح عندما لم تستطع قيادة التيار السلفي اجبار قواعدها ومريديهم بدعم الدكتور عبدالمنعم ابوالفتوح المرشح الرئاسي في الجولة الاولي من انتخابات الرئاسة
ادارة الدعوة السلفية بمنطق برجماتي نفعي يخالف القيم الاخلاقية التي تروج لها مثل هذه التيارات الدينية والعقائدية ظهر في اجتماع قيادات السلفيين سرا مع المرشح احمد شفيق اثناء جولتي انتخابات الرئاسة للحصول منه علي ضمانات خاصة بالدعوة السلفية في نفس الوقت الذي كانت تلتقي فيه بمرشحي الرئاسة من الاسلاميين لتختار من تدعمه منهم
كما بدا واضحا انشغال رموز العمل الدعوي بالتيار السلفي بالمشاركة المباشرة في العمل السياسي مما اثر علي مسار الدعوة الدينية للحركة حتي ان المصادر السلفية تقدر أن دورها الدعوي قل وضعف كما كان عليه في عهد الرئيس المخلوع وذلك بانشغال الدعاة عن دروسهم الدينية في المساجد ، وتراجع طباعة الكتب الدينية الي نسبة قد تصل الثلث حسب تقدير بعض المصادر بينما تعد طباعة وتوزيع كتب مشايخ الدعوة أحد أهم مسارات العمل الدعوي
وفي جانب أخر سياسي يمثل اقصاء عبدالغفور من رئاسة الحزب وهو مساعدا لرئيس الجمهورية بهذه الطريقة المهينة يمثل احراجا مباشرا للدكتور محمد مرسي .
وايضا هي رسالة تحذير مباشرة من تيار الدعوة السلفية الي مؤسسة الرئاسة والرئيس الذي اتي من جماعة الاخوان المسلمين ان هذا التيار يمكن ان يتحول من مساند الي الجهة المعارضة ، فالدعوة والحزب لم يحصلا علي اي مقاعد لا في حكومة هشام قنديل ولا في حركة المحافظين الاخيرة
كما ان هذا الاقصاء له دلالات علي مستقبل العلاقة والتحالف بين جماعة الاخوان المسلمين والدعوة السلفية سواء في اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور والانتخابات البرلمانية القادمة
فجماعة الاخوان تمثل حجر عثرة امام السلفيين في عدد من مواد الدستور مثل المادة الثانية والتي يرغب التيار السلفي الي صياغتها الي ان احكام الشرعية الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بينما يقف الاخوان الي جوار التيارات الليبرالية لدعم النص الذي جاد به دستور ١٩٧١ باستخدام مبادئ الشريعة الاسلامية
وفي رسالة اقصاء عبدالغفور رسالة ضمنية ان التيار السلفي ربما يشن حملة ضد الدستور الذي ينتج عن هذه اللجنة اذا ما خالف رغباته فيه
وفي حيال هذه اللحظة التي تشطر ثاني اهم جماعة اسلامية في مصر واقوي فصيل سلفي المعروف بالسلفية العلمية - والتي نشآت بالاسكندرية في نهاية السبعينات علي يد مجموعة من الطلاب في كلية الطب - مما سينعش تيارات سلفية اخري فربما تنتقل قيادات وكوادر انتخابية خاضت الانتخبات البرلمانية تحت اسم حزب النور الي احزاب اسلامية اخري الأصالة والفضلية القريبان من تيار السلفية في القاهرة المعروفة بالسلفية الحركية
كما ان هذا الانقسام سيدعو الصف السلفي الي الانضمام التيار الذي يؤسس له حازم ابو اسماعيل المرشح المبعد من انتخابات الرئاسة والذي يلقي تعاطفا كبيرا مع جمهور التيارات السلفية بإختلاف أنوعها ، فأبواسماعيل يبدو لكثير من الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة أنه الثائر الإسلامي الذي يريد تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل لا يقبل النقص
كما سيلقي انفجار النور السلفي الضؤ علي جماعة الاخوان المسلمين وابراز قوة تنظيمها الذي لم يتراجع رغم الانشقاقات التي شهدها خلال العامين الاخرين ، وايضا يلفت هذا الانهيار الاخوان الي التمسك بتنظيمهم المحكم وعدم التجاوب مع الدعوات التي تطالبهم بتحويل التنظيم كليا الي الشكل الحزبي
انفجار النور السلفي بهذه الطريقة سيعد بنا المشهد كما اسلفت الي احزاب عصر المخلوع حيث سنشهد مقرين وقيادتين للحزب في الفترة القادمة مما قد يضعف حضورهما في البرلمان القادم في مقابل الائتلافات الحزبية والتحالفات الانتخابية التي تعلنها تيارات ليبرالية تسعي اضعاف التيار الديني وقدرته علي ان يمثل الاغلبية كما شهدنا في برلمان ما بعد الثورة
No comments:
Post a Comment
abdoumonem@gmail.com