يستمر الاستبداد في ربوع مصر، يأتي علي الأخضر واليابس، لا يترك مساحة من الحرية، ولا يترك حتي مساحة للهواء النقي، يأتي علي كل شيء، فلا يبقي في ربوع المحروسة إلا السجون والمعتقلات، تلك التي شهدت ألوفا من أبناء مصر الشرفاء عبرأكثر من نصف قرن، حتي بات العمل السياسي يمارس في السجون بعد أن منع من الممارسة الحرة في الشارع المصري المحاصر بجحافل الأمن المركزي. تلك هي حالة مصر قلب العروبة والعالم الإسلامي التي يفترض أن تقوم بدورها في قيادة المنطقة فإذا بها تسقط في غياهب النسيان،وتتحول إلي قيمة تخصم من مستقبل الأمة ولا تضيف لها. وكيف يكون لمصر دور ريادي وكوادرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تمر علي السجون المصرية؟! فإذا خرجت مجموعة دخلت مجموعة غيرها، حيث يظل الاعتقال السياسي مستمرا، وتبقي الكوادرالنشطة خلف القضبان والنظام المصري يدير الحياة السياسية بالاعتقال والإجراءات الاستثنائية والخروج علي القانون، ويلقي بالكوادر الحركية النشطة داخل السجون ويسجن مصر كلها داخل حالة من الموت السياسي الكامل. وحتي يبقي النظام يضحي بالجماعة المصرية وحيويتها وتياراتها وجماعاتها، وكأنه يريد البقاء حتي وإن ذهبت مصر كلها خلف القضبان أو بقيت مصر كلها وكأنها سجن مفتوح.لم يستطع النظام استيعاب التنوع السياسي داخل الجماعة المصرية، بل لم يستطع استيعاب أي تيارات سياسية داخل لعبة سياسية ديمقراطية منظمة، بل ظل عبر تاريخه الطويل يحاول تجميد الحالة السياسية لصالح منع أي إمكانية للتنافس معه من أي تيار سياسي كان. وبعد تجميد الحياة الحزبية ومنع الأحزاب الجادة من التأسيس،وبعد أن فرض النظام سيطرة كاملة علي الحياة السياسية، وبعد تاريخ طويل من الحصار الإعلامي والأمني لجماعة الإخوان المسلمين.. وجد النظام نفسه في امتحان صعب في الانتخابات البرلمانية في عام 2005، حيث وجد أن جماعة الإخوان تحظي بحضور جماهيري واسع مما مكنها من تحقيق نتيجة جيدة في الانتخابات بفوز 88 من مرشحيها بعد أن أسقط النظام بالتزوير 40 آخرين من مرشحيها. وهنا ثبت للنظام أن الضربات الأمنية والتشويه الإعلامي لم يؤد إلي حصار الجماعة ولم يؤد إلي تقليص قاعدتها الجماهيرية، بل الواقع يؤكد أن العكس تماما هو ما حدث: فما حققته الجماعة من نتائج في انتخابات عام 1987 بالتحالف مع حزب العمل الذي جمد بعد ذلك أقل مما حققته في عام 2005، رغم أنها تمتعت في ثمانينيات القرن الماضي بمساحة لحرية الحركة، تم التراجع عنها بعد ذلك وتحديدا عام 1992 . أي أن الجماعة حققت تحت الحصار نتيجة أفضل من النتيجة التي حققتها في وضع أقل تشددا.ولكن بعد انتخابات مجلس الشعب المصري جاءت الانتخابات التشريعية في فلسطين وفازت حماس وهي تمثل إخوان فلسطين بالأغلبية، وهنا رأي النظام أنه امام حركة لها شعبيتها وعليه أن يواجهها. ولكنه لم يواجهها بالسياسة ولم يواجهها بالتنافس الحر النزيه رغم أن النظام يملك من أدوات الدولة ما يمكنه من منافسة الجماعةولكن النظام غير راغب في العمل السياسي والاجتماعي بين الجماهير، وغير راغب في تأسيس شرعية جماهيرية له، وهو يعرف مدي الرفض الشعبي للنظام. فلجأ النظام مرةأخري للحصار الأمني والإعلامي، وبدأ في التصعيد مع جماعة الإخوان، وهو تصعيد لم يتوقف منذ عام 1992 . ووسط حالة من الحشد الإعلامي غير المسبوق، يقوم النظام بتخليق قضية غسيل أموال ويقبض علي رجال أعمال من المنتمين للجماعة، ويغلق شركاتهم ويشرد عمالهم. وهنا يأتي الدور علي خيرت الشاطر الذي بدأت به الحملة الحكومية علي الإخوان في عام 1992، ثم جاء دوره مرة أخري في المحاكمات العسكريةفي عام 1995، ليبقي مسجونا حتي عام 2000، ثم يعاد اعتقاله مرة أخري في عام2001، ليبقي سنة رهن الاعتقال ويعود من جديد في نهاية عام 2006، ثم تفرج عنه المحكمة هو وإخوانه فيعتقل، ثم يقدم للمحكمة العسكرية.وكيف يمكن للشاطر أن يبقي خارج السجن، وهو ذلك الشخص المخلص لوطنه وقضيته، صاحب التاريخ الطويل في النضال السياسي، وصاحب الخبرة الكبيرة في العمل السياسي والاجتماعي، ورجل الأعمال المتميز؟! كيف يبقي خارج السجون، وهو يمثل حالة من العمل المتواصل والتضحية المستمرة، وهو هذا الشخص الذي يعمل في صمت ولا نراه في وسائل الإعلام؟! كيف يبقي هو وإخوانه رغم قدراتهم المتميزة في العمل الاقتصادي الناجح، البعيد عن الفساد والرشاوي، والذي يقوم بعيدا عن شبكة المصالح الخاصة بالنظام الحاكم، ولكن النظام نسي أن الشاطر دخل السجن سنوات مثل الكثير من اخوانه وخرج وهو اكثر نشاطا وحيوية. ونسي النظام ان حملات العامين 1995 و1996بلغت ذروة في المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، ولكن نتائج انتخابات عام2005 اكدت أن هذه الوسائل لن تجدي. ويعلم النظام كم الأموال التي تم الاستيلاءعليها في حملات الاعتقال عبر اكثر من 15 عاما، وكم المبالغ التي دفعت كفالة للمحبوسين احتياطيا. ويعلم النظام أن قوة الجماعة في جماهيريتها وليست في الأموال.نقول: يعلم النظام أن هذه الوسائل لن تؤدي إلي تدمير جماعة الإخوان المسلمين أوالحد من شعبيتها، وأن سجونه لن تؤثر علي رجال من أمثال الشاطر وإخوانه، فمن يفوز بقاعدة جماهيرية تسانده وتؤيده، لن تحطمه السجون والمعتقلات.
كتبها المفكر القبطي رفيق حبيب بجريدة الأسبوع
No comments:
Post a Comment
abdoumonem@gmail.com