Monday, April 2, 2012

الشاطر نبيا .. فن صناعة الوهم



مما لا شك فيه أن ترشيح جماعة الإخوان رجلها القوى خيرت الشاطر للمنافسة على رئاسة الجمهورية سيمثل رقما صعبا فى هذا السباق، ليس لأن الرجل له خلفية شعبية أو حملة وطنية لتقديمه فى هذه المنافسة، لكن لقوة الماكينة الإخوانية التنظيمية التى ستعمل جميعها مُسخَّرة لهذا الهدف.
فالشاطر لا يملك تاريخ عمل عام بين الجماهير، فلا هو ترشح فى أى انتخابات محلية أو نقابية أو برلمانية،  ولم يكن مشهودا أنه مشارك حتى فى الفاعليات الجماهيرية التى تنظمها جماعة الإخوان.
فمثلا لا يوجد للشاطر صور جماهيرية مع الشارع مثل غيره من المنافسين على منصب الرئاسة،  أو حتى نواب الجماعة فى البرلمان، والصورة الجماهيرية الوحيدة له هى فى ميدان التحرير عقب الإفراج عنه حيث أتى إلى الميدان وشكر للثورة فضلها فى  خروجه المبكر من السجن من هذه القضية المفبركة، التى عرفت بميليشيات الأزهر، ما دون ذلك ستجد صورا للشاطر فى المؤتمرات التنظيمية للإخوان أو فى حفلات إفطار الجماعة مع شباب وقيادات من الداخل الإخوانى.
فالشاطر رجل تنظيم من الطراز الأول يعشق الجلوس فى الظل ليحرك الخيوط وفق تركيبته التجارية.
بينما لم يسمع رجل الشارع العادى اسم الشاطر سوى بعد تقديمه إلى المحاكمة الهزلية التى تعرض لها هو و٤٠ قياديا إخوانيا فى عام ٢٠٠٦، حيث أدار الشاطر من سجنه حملة إعلامية واجتماعية ضخمة لتقديمه إلى الشارع والمجتمع السياسى، ونجحت بالفعل هذه الحملة فى حشد التعاطف الإنسانى له خصوصا ما كان ينشر عن تدهور حالته الصحية، وحديث ابنته الكبرى فى كل وسائل الإعلام أن أباها يتعرض لعملية قتل بطىء.
هذه الحملة أكسبت الشاطر وجها إنسانيا نتيجة الاضطهاد الحقيقى الذى تعرض له هو وغيره من مئات قيادات الجماعة وألوف أعضائها فى عهد الرئيس المخلوع، إلا أن هذه القيادات لم تكن لديها الإمكانية المالية للصرف على مثل هذه الحملات مثلما فعل الشاطر وصرف ببذخ شديد للترويج لشخصه، رغم أن القضية كان بها ٤٠ متهما غيره بينهم الدكتور محمد على بشر عضو مكتب الإرشاد حينها، الذى نادرا ما كان يذكر اسمه.
ما دون ذلك يتقدم الشاطر للشارع المصرى مرشحا للرئاسة خاوى الوفاض من أى عمل عام أو سياسى، كالذى يحمله منافسوه الآخرون، أو حتى قيادات داخل تنظيم وحزب الإخوان مثل الدكتور عصام العريان أو الدكتور محمد البلتاجى، أو قيادات الحزب نفسه الدكتور محمد مرسى رئيس الحزب، أو الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب.
ومن هنا تحاول اللجنة الإعلامية والإلكترونية التى يحركها الشاطر فى إطار تنظيمى مواز حتى قبل الإعلان الرسمى عن ترشيحه، تقديمه فى صورة إيجابية مختلفة فى إطار من صناعة الوهم ليعوض الشاطر النقص الذى يعتريه بالمقارنة بمنافسيه.
ولك أن تتخيل الأوصاف والألقاب التى تنتشر بين الأوساط الإخوانية.
ولعل أولها وأهمها ما يتم ترويجه أن الشاطر هو مهندس نهضة مصر، والعجب فى استخدام هذا المصطلح الرنان أنه ليس له أى أرضية حقيقية أو تاريخ يشهد له بذلك فربما تكون أفكارا جميلة تطرح للحرث الإعلامى.
حتى تاريخ عمل الشاطر الاقتصادى لا يشهد له بأى إنجاز ذى قيمة أو عمل نهضوى، فلا هو رجل صناعة مهمة ولا لديه أى استثمارات استراتيجية، فتجارة الشاطر وشركاه أشبه بتجارة الشنطة أو المينى فاتورة التى تقوم على الصفقات التجارية السريعة صاحبة المكسب الكبير، حتى معظم هذه الصفقات نتيجة العلاقات التنظيمية، وحتى الآن لا يستطيع أحد الفصل بين أمواله وأموال الجماعة التى يحتفظ لنفسه بأمانة صندوقها المالى.
ويضيف الموهومون والمدفوعون إلى كون الشاطر رجل نهضة، أنه سيعيد تجربة رجب طيب أردوجان رئيس الوزراء التركى الذى يتمتع بخلفية إسلامية معتدلة وتجربة سياسية فريدة من نوعها، رغم التناقض الكبير بين الشخصيتين، فأردوجان رجل بدأ العمل الجماهيرى مبكرا حيث تم انتخابه بداية من المجالس المحلية حتى رئاسة بلديته، وصعد السلم السياسى درجة تلو الأخرى على أشواك الموازنة بين انتمائه الإسلامى والحفاظ على الخط العلمانى للدولة التركية، إلى أن أصبح أحد أهم المؤثرين فى الساحة العالمية،  وهو ما لا علاقة للشاطر به، يزيد إلى ذلك أن الشاطر أخذ من تجربته الاشتراكية القصيرة مع التنظيم الطليعى الطبع المحافظ، فالشاطر يميل إلى الاتجاه السلفى  فى تكوين أفكاره الإسلامية، ولعل أقرب المشايخ الذين يرتبط الشاطر بهم ارتباطا عاطفيا كبيرا شيوخ التيار السلفى الحركى على رأسهم الشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ نشأت إبراهيم، والشيخ محمد يسرى الذى حاول الشاطر دعمه فى انتخابات البرلمان الأخيرة بمدينة نصر، لكن التركيبة المدنية لهذه المنطقة الجغرافية استعصت على الشاطر حتى الإخوان منهم فى الانصياع له ودعم أحد مشايخه.
وبالتالى فالشاطر يمثل الاتجاه الفكرى المعاكس لأفكار الإسلاميين الأتراك المنفتحين.
الأمر الثانى أن السياسيين الأتراك لم يلوثوا أيديهم بالأعمال التجارية ولديهم استراتيجية مهمة فى الفصل بين المال والسياسة، وكثيرا ما نصح شركاء الشاطر الأتراك إما بابتعاده عن السياسة وإما التجارة، لأنهما لا تجتمعان وهو خلاف التركيبة العملية للشاطر التى يستخدم فيها التجارة والمال للتأثير فى العمل التنظيمى.
فبالتالى خدعة كبرى ما يتم الترويج له أن الشاطر هو أردوجان مصر ، وهى محاولة غير مرتبطة بأى واقع  لتقديمه إلى الغرب على أنه معتدل ويمشى على مسار التجربة التركية.
وفى هذا الخصوص دفع الشاطر بعدد من الشخصيات العربية المؤثرة أن تروج لهذه الفكرة لدى الدوائر البحثية والسياسية فى الغرب، وفى المضمار تكرر من شخصيتين عربيتين من ذوى الحضور فى العالم الغربى الترويج لهذه الفكرة فى محاضرات بجامعات أمريكية ولقاءات خاصة بمسؤولين أمريكيين وغربيين.
ومع الإعلان الرسمى لجماعة الإخوان الدفع بالشاطر إلى سباق الرئاسة تداعت صناعة الوهم حول شخص الشاطر بين شخصيات متواضعة وبسيطة مخلصة للجماعة وبين نفعيين أدركوا قيمة اللحظة فى الصعود إلى سفينة الشاطر، حتى وصل بأحدهم الحديث إلى أن ترشيح الشاطر هو عبادة لله عز وجل فى هذه اللحظة الراهنة.
ووصل بتابعيه الإلكترونيين إلى أن يصفوا تجربة الشاطر بأنها تتماثل مع تجربة نبى الله يوسف عليه السلام ووصفوه بأنه «يوسف مصر».
وما زاد الطين بلة أن الجماعة الإسلامية عندما أعلنت تأييدها السياسى دعم الشاطر رئيسا أكدت أنه متوافق مع السنة النبوية الشريفة، كأن غيره من المرشحين هم كفار قريش.
ووصل البله السياسى مداه بمرشد الإخوان، حينما انتقد الأداء الإعلامى تجاه جماعته وقرارها، إلى أن قال إن لخيرت الشاطر دعوة مستجابة كانت سببا فى إسقاط الرئيس المخلوع حسنى مبارك، كأننا نحن العصاة  المذنبون، يجب أن لا نوجه انتقاداتنا للشاطر خشية  دعائه الذى لا يرد.
ينقص هذا المشهد فقط أن يخرج طرف شيعى يعلن لنا أن الشاطر هو المهدى المنتظر.
وفى الأيام القادمة أعتقد أن صناعة وهم الشاطر ستتداعى وتتضخم بشكل أكبر  لجبر نقص وكسر الشاطر أمام أحد أهم منافسيه وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، فالشاطر وإن ملك ماكينة تنظيمية ضخمة سيكون لها تأثير كبير على رجل الشارع العادى بفضل الخدمات المادية التى تتميز بها الجماعة، خلافا لاستخدامها الدينى فى كسب التأييد السياسى، إلا أنه يبقى أن هذه الماكينة الإخوانية تتكون من فصيل سياسى واحد وهو الإخوان وهم تابعون ينتظرون وصول التعليمات، بينما يتمتع أبو الفتوح بأرضية مشتركة مع كل فصائل التيارات السياسية، وهم مزيج من حملته ومستشاريه استطاع جمعهم بأفكاره وإقناعه لهم بمشروعه الوطنى لمصر  وهى عكس ثقافة الاتباع والسمع والطاعة العمياء.
فى تقديرى أن الشاطر لو فاز بالرئاسة فإننا أمام وضع أشبه بصناعة ديكتاتور جديد صنعه الوهم والمال، فى حالة شبيهة بصناعة بيرلسكونى فى إيطاليا، وإن خسر الشاطر سباق الرئاسة سيخسر معه تنظيم الإخوان العتيد الذى عاش طيلة حياته يبرر إخفاقاته السياسية بثقافة المحنة التى عاشتها الجماعة منذ تأسيسها.
بينما لو فاز أو خسر أبو الفتوح فإننا أمام صناعة تيار وطنى معتدل جديد على الحياة السياسية، ربما يكون التيار البديل أو المسار الثالث بين جمود الإسلاميين وارتكانهم إلى العمل التنظيمى والنخبة الليبرالية التى لا تجيد العمل الجاد فى الشارع.

اللجنة الإلكترونية لخيرت الشاطر  

No comments:

Post a Comment

abdoumonem@gmail.com