Wednesday, April 22, 2009

الصراع في دارفور بين الدولة التي ترفع شعار الإسلام والمتمردين المسلمين وأهل الإقليم المساكين الذي راحوا ضحية الصراع علي السلطة


لم يكن من السهل رفض دعوة اتحاد الأطباء العرب مرافقته ضمن عدد من الصحفيين لقافلته الطبية إلي إقليم دارفور في السودان, ورغم أنها ليست الزيارة الأولي للإقليم الأكثر اثارة في القارتين العربية والإفريقية إلا أن الدعوة زادتني حرصا علي متابعة الحقيقة علي أرض الواقع مباشرة خاصة أن آخر زيارة لي كانت في عام 2004 , الطريق إلي دارفور شديد الوعورة ليس لأنه سيتغرق بك 20 يوما عن طريق بري موحش يحتمل فيه أن تكون صيدا ثمينا لجماعات النهب المنتشرة بطوله أو تكون ضحية جديدة لإحدي رحلات الطيران المتجهه إلي الإقليم في ساعتين بطائرة روسية صغيرة لن تشعر فيه بالأمان ولو لحظة واحدة وخاصة وهي تهبط علي أرض المطار الترابي الذي يحده من الجنابين عددا من الطائرات التي تحطمت أثناء الهبوط , إلا أن الطريق إلي حقيقة ما يجري علي أرض دارفور ربما يكون أشد وعورة ففي هذا الطريق لن تعدم بصمات المحتل للمنطقة في القرن الماضي وأطماع عربية وافريقية وغربية لثروات الإقليم في الوقت الحالي وصراع القبلية وفساد وجرائم حاكم يدعي أنه اسلامي وأطماع شخصية حملت أبناء الإقليم علي رفع السلاح في وجه اخوانهم باسم الدفاع عن حقوقهم , هناك علي يسار العالم العربي ستجد اقليم دارفور الذي يقع في غرب السودان ويبلغ سكانه نحو 6.750.000 يعيشون علي مساحة 510 ألف كم مربع بما يوازي مساحة دولة مثل فرنسا , هناك الجميع يعرف كيف يحارب ويحمل السلاح بكافة أنواعه حتي أطلقوا عليه اسم " الفشخرة " ولعله مفتاح التعرف علي الصراع الذي لم يكن هذه المرة بسبب الدين كحالة جنوب السودان فأهل دارفور كلهم مسلمون ويعروفون بأنهم حفظة القرآن و أهل الخلاويا والكتاتيب ... لاتتعجب وتعود لقراءة الكلمات السابقة نعم كلهم مسلمون يحاربون بعضهم الدولة التي ترفع شعار أنها اسلامية والمتمردين الذي يعود أحد قادتهم إلي الحركة الإسلامية أيضا وأهل الإقليم المساكين الذي راحوا ضحية الصراع علي السلطة
ينقسم الإقليم إلي ثلاث ولايات كبري هي: شمال دارفور وعاصمتها الفاشر وغرب دارفور وعاصمتها الجنينة وجنوب دارفور وعاصمتها نيالا , و يحد هذا الإقليم الملتهب ثلاث دول هي ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطي, مما يتيح الفرصة للتدخلات الدولية عن طريق الدول الثلاث وفق مؤشر علاقاتها الخاصة بالقوي الدولية.
في السودان عندما تكون صحفيا مرافقا لوفد بالتأكيد ستكون محطا لرجال الحكومة الذين سيتقبولوك في الخرطوم بكل ود وترحاب ويشكون لك مؤمرات الغرب علي السودان لتفيته والأجندة الغربية لقيادات التمرد في دارفور وسيحاصرك أبناء وقيادات الحركة الإسلامية في السودان بأن ما يحدث في دارفور حرب مصطنعة للإنقضاض علي الحكم الإسلامي الذي رسخته حكومة الإنقاذ بقيادة الرئيس عمر البشير التي ملأت صوره الشوارع والميادين بشكل غير طبيعي لعله زاد علي لوحات تأييد السبعين مليون مصري للرئيس مبارك في الإنتخابات الرئاسية الماضية وكله من أموال الغلابة الذين لا يجدون الطعام في أطراف السودان , وعندما تركب التاكسي ستكون مرغما علي سماع أغاني لا تجد فيها فارقا كبيرا بينها وبين أغاني مثل اختارناك ومشينا وراك حتي غني أحد مطربي السودان نص رد البشير علي قرار أوكامبوا باعتقاله قائلا : هاك مني نصيحة اسمعها يا اوكامبو يا مسكين .... قرارك موصو وأشرب مويتو نحنا حلفنا يمين ....واتعاهدنا حتى لو السما والارض يجونا منطبقين ...تسليم البشير دا محال، وكلام ما برضي ام الزين
و في رحلتك ستجد المصريين الطيبين المؤمنين بنظرية المؤامرة الذين يٌؤمنون علي كلام دعاة ومشايخ يجلهم عموم المسلمين عندما تأخذهم الحكومة السودانية في طائرات خاصة ليزوروا إحدي معسكرات النازحين في أقل من ساعة برفقة رجالات الدولة ويخرجون إلي الإعلام يناشدون الأمة الإسلامية وجوب نصرة الرئيس البشير .
ان امتلكت الجرأة علي النظر من الطائرة الروسية الصغيرة التي تقلك إلي دارفور ستحزن أنك متجه لأحدي المناطق التي يتصارع أهلها علي الأرض وهي متسعة الأطراف ولا يسكنها سوي الفراغ
فتعرف دارفور بثراء مواردها الزراعية والحيوانية لذا يقسم أهلها إلي مزارعين يمثلون نحو 80% من السكان, ورعاة يمثلون 15% والباقون هم أهل الحضر. تقسم دار فور قبليًا وإثينًا إلي أصول أفريقية وتضم قبائل أشهرها (الفور - الزغاوة - البرقي - المساليت) وأخري عربية أشهرها (الرزيقات - الهبانة - التعيشة - بني حلية - المسيرية) ويبلغ التمايز بين القبائل ذروته باشتغال معظم القبائل الأفريقية بالزراعة واشتغال معظم القبائل العربية بالرعي , وهنا تبدأ حلقات الصراع بين المزارعين والرعاة حيث حدد الاحتلال البريطاني مسارات رعوية (18 مسارًا) علي حدود إقليم دارفور وهي المسارات المخصصة لسياقة قطعان الأغنام والماشية بحيث لا تعتدي هذه القطعان علي المساحات المزروعة نظرًا لضخامة الثروة الحيوانية في الإقليم (10 آلاف رأس لكل مواطن). وعندما تغيرت الظروف المناخية وأصاب التصحر كثيرًا من هذه المسارات وأصبحت لا تصلح لعمليات الرعي في الوقت الذي نشطت فيه بعض الزراعات الأخري مثل الفول السوداني والكركديه والموالح وأصبحت رائجة في أسواق خارج دارفور مما اضطر الرعاة للاتجاه والنزوح إلي الوادي المزروع والذي أدي إلي احتدام صراع مرير بين الرعاة والزراع زاد من سخونة حروب قبلية بين القبائل وبعضها البعض مع حتي أن سلطان قبيلة المساليت يفتخر أن قبيلته خاضت ثلاثة حروب واحدة منها ضد الفرنسيين الذين حاولوا احتلال دارفور عام 1909 والأخرتين ضد قبيلة الفور ذات الأصل الأفريقي أيضا .
الصراع الذي انشغل به العالم الخارجي بداية من عام 2002 عندما أعلن عدد من أبناء دارفور تمردهم علي حكومة السودان واحتلال مليشاتهم مقرات الحكومة تحت دعوي حق أبناء الإقليم في الثروة والسلطة لم يكن وليد هذه اللحظة ولكنه صراع قديم علي المراعي وعلي ثقافة القبلية ألبسه عدد من أصحاب المصالح زيا سياسيا فقامت الدولة باستعادة هيبتها حفاظا علي وحدة السودان إلا أنها لم تكتفي بمحاربة المتمردين الذين تمركزوا علي حدود الإقليم وخاصة في تشاد التي يدعم رئيسها إدريس ديبي حركة العدل والمساواة بل انتقمت الدولة من القبائل التي ينتمي إليها المتمردين بضربهم بالطائرات وحرق بيوتهم وضياع ثرواتهم الحيوانية حتي فروا نازحين إلي المدن مما نجم عنه مأساة إنسانية خطيرة تمثلت في تأثر و نزوح قرابة 3.6 ملايين شخص من أهل الإقليم تاركين القري والزراعات وثروتهم الحيوانية عرضة للنهب المسلح من من المتمردين ومن جماعات النهب التي استعانت بها الحكومة السودنية لاستعادة هيبتها وهي التي عرفت بما يسمي " الجنجويد " وهي مختصر لجن أو رجل قوي يمتطي جواد ويحمل مدفع ام جي ولقد أكد أعداد كبيرة من أهل الإقليم أن هذه القوات قامت بقتل الرجال والأطفال والإعتداء علي النساء حيث .
الوضع الإنساني في اقليم دارفور بعد نحو ست سنوات من الأزمة لم يتغير كثيرا فلازالت الأعداد الكبيرة من أهل الإقليم تعيش في نحو 21 معسكرا بالولايات الثلاث في أحوال معيشية شديدة السؤ وتنتشر بها عدد كبير من الأمراض الوبائية خلافا لنقص الغذاء وخاصة بعد ما قامت الحكومة السودانية بطرد أكبر المنظمات الأجنبية التي كانت تقدم خدمات كبيرة للنازحين سواء من الغذاء أو المياة والدواء
لم يكن سهلا في هذه الرحلة دخول المعسكرات ففي ولاية غرب دارفور حرصت الحكومة علي أن يعمل الأطباء المصريين من اتحاد الأطباء العرب في المستشفيات العامة وبممارسة الضغط علي والي الولاية سمحت الحكومة للوفد الطبي بدخول معسكر واحد فقط بعد نحو خمسة أيام قضوها في الجنينة عاصمة الولاية وهو معسكر " كريندج " والذي ينقسم إلي ثلاث تجمعات تضم نحو ثلاثين ألف نازح حيث تعيش الأسرة التي يقل عددها عن 12 فردا في عشة صغيرة لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار وهي مبنيه من أعواد البوص ومغطاه بمشمع للوقاية من الأمطار وكانت منظمة انقاذ الطفولة الأمريكية هي التي تقدم الخدمات لأهل هذا المعسكر والتي طردتها الحكومة السودانية بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال البشير بدعوي أنها و 12 منظمة طبية أخري تمارس أعمال التجسس لصالح دوائر غربية
وقد كشفت دوائر سودانية أن المنظمة كانت تقدم خدماتها لنحو مليونين وثمانيمائة ألف نازح وعقب طردها يعيش النازحين في حالة متردية وخاصة في معسكرات زالنجي ومورني التي تبعد عن المدينة بمسافات كبيرة والتي يتعذر علي الدولة والمنظمات المتبقية تقديم كافة الخدمات التي كانت تقوم بها المنظمات المطرودة وقد أكد أحد الأطباء السودانين الذي يعمل مع منظمة دولية في دارفور أن جميع المنظمات المتبقية والحكومة السودانية لا تستطيع سوي تغطية احتياجات 800 ألف نازح فقط
سألت نازحي معسكر " كريدنج " عن سبب طرد المنظمات الأجنبية فنفوا علمهم بالسبب الحقيقي سوي أنها السياسة فسألت عدد كبير من النازحين هل صحيح كانت المنظمات الأجنبية توزع عليهم الإنجيل حتي يتنصروا فكانت الإجابة شديدة التلقائية ومتشابهة " كانوا يدونا أكل والأن ما في "
وعقب طرد هذه المنظمات أصبحت الحكومة وموفوضية العون الإنساني هم المسئولتان عن تقديم الخدمات للنازحين ولكن بالشكل البيرويقراطي حيث تغلق هذه المؤسسات حتي الصحية منها يومي الجمعة والسبت كأجازة وفي المستشفي العام بالمدينة علقت إدارة المستشفي ورقة تنبه فيها علي الأطباء في أحد أقسامها أنه في غير حالة الطوارئ لا يقوم قسم النساء والولادة سوي بعملية واحدة فقط للنازحين والطوارئ حالتين فقط , فلا هم تركوا المنظمات تعمل ولا استطاعوا هم بتقديم واحد بالمائة من خدماتها
وفي الوقت نفسه الذي رفضت فيه الحكومة الولائية طلب الأطباء بتقديم خدماتهم في معسكر " أبو دخن " والذي يبعد حوالي 100 كم عن المدنية أكد لنا أطباء سودانين أن المنع يرجع إلي سؤ الحالة الإنسانية التي يعيش فيها النازحين في المعسكرات البعيدة خاصة مع انتشار الأوبئة وخاصة الإلتهاب السحائي ونقص الأغذية وارتفاع عدد الوفيات من الأطفال حديثي الولادة والنساء وتخوف الحكومة من أن ينقل الأطباء هذه الصورة للمجتمع الخارجي .
الخوف وعدم الشعور بالأمان هما السمة الأساسية لأهل الإقليم المنكوب حيث يرفض ملايين النازحين العودة إلي قراهم الأساسية حتي توفر لهم الدولة الأمن والتوقف عن الإعتداء عليهم وتعويضهم عن الأضرار التي أصابتهم
اقتربت من مجموعة من الشباب في مستشفي الجنينه العام بالولاية وطلبت منهم أن أجلس معهم للوقوف علي آخر الأوضاع في بلدهم فقبل عدد منهم وخاف الأكثر وتركوا الجلسة وعندما سألتهم عما أطلق عليه عمليات الإغتصاب المنظم للنساء تلعثمت الكلمات في أفواهم فرد أحدهم بأنه سمع عن الإغتصاب إلا أنه لم يتعرف علي أيا من الحالات فرد عليه زميله بأن الأمر حقيقي وهو يعرف عدد كبير من النساء اللاتي تم الإعتداء عليهن حيث تقوم عصابات النهب التي تستخدمها الحكومة باغتصابهن بل الوصل الأمر إلي اغتصاب الأطفال الذين لم تصل أعمارهم إلي العاشرة فنهره أصدقائه بسخرية واضحة تشير إلي طلب الصمت خوفا من عاقبة هذا الحديث فتلفت الشاب حوله وقال لهم " أنتو عارفين أكثر " وحين تركتهم لحقي بي أحدهم في جوانب المستشفي واعتذر لي عن عدم قدرتهم علي الحديث معي في مثل هذه الأمور خوفا من بطش الحكومة التي تدرج من يجرأ علي كشف جرائمها بأنها من عناصر المتمردين المختبئة بين النازحين , الشاب الخائف نفي أن يكون هو وزملائه متعاطفين مع حركات التمرد رغم مطالبهم بتحقيق التنمية للإقليم حيث اعتبر هذا الخطاب للاستهلاك الإعلامي وليس له غرض سوي المصالح الشخصية قائلا : " النظام رسخ ثقافة التمرد حيث لم يعد يسمع سوي لمن يحمل السلاح مما دفع الناس لحمله للفت انتباه الحكومة لمطالبهم أو لتحقيق مصالحهم الشخصية "
لا نريد سوي الأمان والتنمية هذا ما أكد عليه الخائفون وردده النازحين في ولاية غرب دارفور مؤكيد أنهم لا يسعون إلي سلطة ومعترفين بطبيعة الصراع في الإقليم التي تنتشر به أكثر من 100 قبيلة بين عربية وافريقية
" ستقطع أوصال كل من يؤيد قرار اعتقال الرئيس البشير " هذا هو التهديد السائر ليس بين أبناء الإقليم وحده بين في السودان كله حيث عممت دوائرة المخابرات السودانية هذا التهديد لكافة الأحزاب والقوي السودانية وبالأخص لأهل الإقليم مما زاد من شعورهم بالخوف .
بينما أصر مسئولين سودانين أن يؤكدوا علي تحسن الأوضاع في دارفور وأن الأوضاع الأمنية في حالة استقرار وهو الذي شعرنا به بعض الشئ حيث تجولنا في المدنية وبالقرب من الحدود التشادية في النهار بأمان ولكنهم لم يستطيعوا أن يؤكدوا لنا قدرتهم علي تقديم الخدمات التي كانت تقوم به المنظمات الأجنبية .
تأخرت مصر عن القيام بدورها لحل أزمة دارفور هذا ما ينظر إليه المسئولين السودانين وتأخر معها الدور العربي في تقديم الإعانة والإغاثة ومع ذلك ينتظر السودان هذا الدور حيث قدمت أبدت عدد كبير من المنظمات التطوعية السودانية رغبتها في الشراكة الإغاثية مع مؤسسات عربية مثل اتحاد الأطباء العرب ونقابة الأطباء المصرية ليحلا محل المنظمات التي طردتها الحكومة السودانية وحذروا من تأخر هذه الجهود الإغاثية علي كافة المستويات الرسمية والشعبية والسياسية والاقتصادية لأن التأخير يصب في خانة الهيمنة» الأجنبية علي الإقليم .

4 comments:

  1. مغامرة جريئة هدفها معرفه الحقيقه
    احيك على هذا التحقيق الصحفى

    ReplyDelete
  2. شاهدت عدداً من الأفلام الوثائقية الأمريكية عن دارفور

    للأسف جميعها تسطح هذه المشكلة المركبة فى بعد واحد وهو عمر البشير
    وفى إغنية لطيفة فى فيلم منهم مخصوصة لهجاء البشير

    صحيح أن عمر البشير مسئول بشكل مباشر وغير مباشر بعدم إهتمام إدارته بما سوى الخرطوم

    لكن تبقى عوامل حركات التمرد مع خلافات القبائل والزراع والرعاة والعرب والزنوج

    سلم الله مصر الثانية

    ReplyDelete
  3. د/أيمن منصورApril 23, 2009 at 8:42 AM

    اللهم أهلك الظالمين بالظالمين , أخرج المسلمين من بينهم سالمين
    لا أعرف لماذا تذكرت الدعاء و أنا أقرأ المدونة؟؟
    فلا حكومة السودان من القديسين و ليس أهل الغرب ملائكة و الخاسر الوحيد هم المستضعفين من المسلمين !!!

    ReplyDelete
  4. ومن قال ان مشكلة جنوب السودان دينية
    من الأفضل مراجعة المنقول لتكتمل حلقة اكتشاف المجهول

    ReplyDelete

abdoumonem@gmail.com