النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين هو الاسم الحركي لجيش مسلم يلتزم بأحكام الله في كل ما يصدر عنه من أعمال
رأيت الإمام لأول مرة في حياتي في الدار بمنطقة الحلمية الجديدة يشرح الإسلام ودعوته لعدد لا يزيد علي العشرة من طلاب الجامعة ورأيت أن كل ما يسوقه من آيات بينات رسمها الله للمسلمين شرعة ومنهاجا في هذه الحياة , تعالج ما نحن فيه في زماننا الحالي , فخرجت وأنا أقول ولماذا التباطؤ في التنفيذ ؟! وهو عبادة يفرضها رب العالمين , خرجت مسلما صحيح الإسلام عضوا في جماعة الإخوان المسلمين دون أن أكتب استمارة عضوية أو أدفع اشتراكا شهريا أو سنويا أبحث مع " مصطفي " وسيلة للتنفيذ
بهذه الصورة يرسم محمود الصباغ الطالب في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول شعوره خلال لقاءه الأول بالإمام حسن البنا في عام 1939عندما ساقه زميله في الكلية مصطفي مشهور للتعرف علي الإمام .
وكيف ساقه هذا اللقاء للتفكير بالوسائل التنفيذية لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ،والتي تجلت واضحة في مقاتلة العدو ! من خلال "جيش مسلم " سيتحقق له النصر مؤكدا له لو صدق ما عاهد الله عليه )
ويقول الصباغ همست بما يجول بخاطري لمصطفي مشهور ، فعرفني علي أخي في الله المرحوم الأستاذ عبدالرحمن السندي بصفته المسئول عن إعداد "جيش المسلمين "في تنظيم الإخوان المسلمين
هكذا يروي أحد قادة التنظيم الخاص الذي أنشأه الإمام حسن البنا في مطلع القرن الماضي ويقول الصباغ أن " النظام الخاص " لجماعة الإخوان المسلمين هو الاسم الحركي لجيش مسلم يلتزم بأحكام الله في كل ما يصدر عنه من أعمال .
وأني أنبه القارئ أننا سنغوص معا في حقبة تاريخية صعبة وشديدة الوعورة ذلك للطبيعة السرية التي يتصف بها هذا الجهاز خلافا للظرف الزمني الذي اتسمت به هذه الفطرة , إذ سنحتاج ونحن نصدر حكما علي هذه الحقبة ونحن نتحسس مساراها في بيوتنا أن نرتدي نظارة مكبرة تطلعنا علي أسرار هذا الزمن الذي لم ينكشف منه سوي القليل .
تكوبن النظام الخاص
تختلف روايات الجماعة عن تاريخ نشأة هذا التنظيم فمنهم من يقول أن البنا أنشأه في عام 1936 وفريق آخر يؤكد أن النظام الخاص بدأ عام 1940 حين دعا البنا خمسة من الثقاة حوله وهم صالح عشماوي وحسين كمال الدين وحامد شريت وعبدالعزيز أحمد ومحمود عبدالحليم .
وأين كان موعد ولادة هذا التنظيم الخاص إلا أن هذه المرحلة كانت تمثل منعطفا هاما في تاريخ البلاد حيث كانت تعاني مصر من الأمية العسكرية وضعف البناء العسكري للجيش المصري في الوقت الذي كان يتخلص فيه المصرين من الجهادية أو الجندية مقابل دفع عشرون جنيها ،بينما كانت البلاد تقع تحت نيران الاحتلال الإنجليزي
وأدرك البنا كما أدرك الكثيرون من أبناء هذا الوطن سيناريو التوطين للاحتلال الإنجليزي في مصر ودعمه لليهود بفلسطين وزاد من دفع البنا في هذا الاتجاه طلب أمين الحسيني مفتي القدس آنذاك مسانده في حربه علي عصابات اليهود التي تتسلل إلي فلسطين .
وهنا أدرك البنا أن قضية فلسطين هي قضية جماعة الإخوان المسلمين وأن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يتركوا مصر ولا فلسطين , ومع شعوره بضعف الحكومات العربية وهزل الجيش المصري في هذا الوقت فكان هذا حافزا آخر لتكوين " النظام الخاص " الذي يقع دوره علي إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة والتدريب علي العمليات العسكرية وذلك لمصلحة مصر ضد العدو الخارجي وليس الداخلي وذلك حس ما أجمع عليه جميع قادة الإخوان إلا أنهم اختلفوا حول هدف آخر وهو أن يكون من أهداف هذا الجهاز هو حماية الدعوة من المكائد الحزبية والمحاولات التي كانت بعض الأحزاب تقوم بها لإيقاع الضرر بالدعوة ورجالها , ونقل هذا الهدف عن عدد قليل من رجالات هذا النظام منهم الحاج فرج النجار الذي اضطلع بأدوار لهذا النظام في محافظة المنوفية ويعد هذا الهدف نقطة خلافية بين أعضاء بالجماعة رغم أن النظام الخاص لم يكن بدعًا عند الإخوان، فكل القوى السياسية الموجودة بالساحة في الوقت كان لديها أجهزة عسكرية سرية مثل "الوفد" و"السراي" و"مصر الفتاة" وعرف وقتها أصحاب اليقات الزرقاء والحرس الحديدي حتى أن " الضباط الأحرار " كان تنظيما سريا في هذا الوقت .
ومع ذلك فقد نقلت أحكام قضية " السيارة الجيب " عام 1948 والتي عثر وقتها البوليس السياسي علي سيارة بها جميع أسرار النظام الخاص لجماعة الإخوان ومن بينهم أوراق التكوين والأهداف وقدمتها حكومة النقراشي وقتها لمحكمة الجنايات فقد اضطلعت المحكمة علي أهداف النظام وقالت في حكمها الذي برأة معظم المتهمين أن من ضمن المضبوطات ورقة جاء فيها : " كن فدائيا ورب نفسك وصبحك علي أعمال الفدائيين التي ثبت فائدتها أثناء الاحتلال الألماني لأوربا وكان أثرها أن اختل نظام القيادة العسكرية الألمانية وحدثت خسائر جسيمة في قوات الاحتلال "
ورأت وقتها المحكمة نبل مقصد هذا النظام وقالت في حكمها عن المدانين منهم : " إن المدانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلي تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب علي أمره . "
وعهد حسن البنا قيادة التنظيم الخاص إلي صالح عشماوي وكان آنذاك وكيلا للجماعة وحظي محمود عبدالحليم بمساحة تنفيذية واسعة في بداية إنشاء هذا التنظيم حيث يقول " عند مباشرة عملية الإنشاء وجدت نفسي أشبه بالعضو المنتدب لهذه القيادة " فهو كان مندوبا عن الطلبة في القاهرة واستطاع أن يجعل من الطلاب العنصر الأساسي في تكوين هذا التنظيم العسكري الذي تم تقسيمه لمجموعات عنقودية صغيرة لا تعرف بعضها مع تلقينهم برنامجا إيماني وروحي مكثف إضافة غلي دراسة مستفيضة للجهاد في الإسلام وكذلك التدريب علي استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة والمبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر .
ويقول صلاح شادي -الذي نصبه البنا رئاسة " قسم الوحدات " وهو جهاز سري آخر يضم رجال البوليس – : " إن آثار المبالغة كانت احدي ثغرات الفهم التي ترتب عليها أخطاء أثرت علي نجاح كثير من العمليات الفدائية التي قام بها النظام "
وظل محمد عبدالحليم مسئولا تنفيذيا عن النظام حتي اضطرته ظروفه إلي الانتقال من القاهرة إلي محافظة البحيرة فطلب منه البنا أن يستخلف شخصا آخر يباشر الإشراف علي أعمال التنظيم .
فعرض عبدالحليم قيادة النظام علي طالب كان يسكن في نفس المبني الذي يعيش فيه وكان هو عبدالرحمن السندي الذي كان وقتها طالبا في السنة الأولية بكلية الآداب وكان مريضا بالقلب , حيث رأي فيه عبدالحليم الصلاح لقيادة هذا الجهاز العسكري والذي اختار أن يترك دراسته ويكتفي بالبكالوريا " الثانوية العامة " وعمل موظفا بوزارة الزراعة , وعرض عبدالحليم أمر السندي علي البنا الذي وافق عليه حيث بايعه علي أن يقود النظام ولكن ألا يقدم علي أية خطوة عملية إلا بعد مراجعة القيادة العليا للتنظيم والبنا شخصيا .
وكانت أول أعمال التنظيم في عهد السندي في عام 1945 حينما رأي إخوان النظام أن يعملوا علي بث الخوف في قلوب الجنود الإنجليز العابثين الذين كانوا يقتلون الأبرياء ويهتكون الأعراض ويحطمون واجهات المحالات يوميا وهم سكاري , فقرر النظام الخاص أن يلقوا علي النادي البريطاني قنبلة في ليلة عيد الميلاد وهي لم تقتل أحدا ولكن بثت في قلوب الإنجليز الرعب في هذا الوقت , وتلت هذه العملية وضع قنابل غير متفجرة في ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة في عام 1946 لإجهاض مشروع معاهدة صدقي بيفن التي استقالت علي إثرها حكومة إسماعيل صدقي باشا .
أسلوب التربية في النظام الخاص
ويروي محمود الصباغ أنه بعد أن عرفه مصطفي مشهور بالسندي المسئول عن إعداد الجيش المسلم في تنظيم الإخوان المسلمين حيث كان الأسلوب في ذلك الوقت هو أن يُربط الأخ الجديد بالسندي وكان أول ما يتعاهد عليه هو أن تميز " الجيش " عن الدعوة العامة بالسرية وكان أول ما يختبر به العضو الجديد فيما يعلن من رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس علي نفقته الخاصة والذي لم يكن يزد ثمنه في هذا الوقت عن ثلاثة جنيهات .
ولم يكن الانضمام للنظام الخاص بالأمر اليسير فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة " المكون " وهو يعني الشخص الذي يقوم بتكوين أعضاء النظام وتبدأ هذه الجلسات بالتعارف الكامل علي المرشح ثم جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة وتكون بمثابة الاختبار حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها ويستتبع ذلك مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدي نجاحه في المهمة التي كلف بها حتي يتدخل الشخص المكون في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح من القيام بالمهمة ويستتبع ذلك جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة حيث يدعي المرشح للبيعة والشخص المسئول عن تكوينة إضافة للسندي حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي تكون مطفأة الأنوار فيجلسون علي فرش علي الأرض في مواجهة شخص مغطي جسده تماما من قمة رأسه إلي قدمه بر داء أبيض يخرج يداه ممتدتان علي منضدة منخفضة " طبلية " عليها مصحف شريف , ويبدأ هذا الشخص المغطي بتذكير المرشح بآيات القتال وظروف سرية هذا " الجيش " ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة التي تؤدي خيانتها إخلاء سبيله من الجماعة ويخرج هذا الشخص مسدسا من جيبه ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة وبعدها يصبح المرشح عضوا في " الجيش الإسلامي "
ويقول محمود الصباغ في كتابه " حقيقة التنظيم الخاص " أنه عندما ترقي للقيادة في هذا التنظيم اكتشف أن الشخص المغطي كان هو صالح عشماوي وكيل الجماعة الذي كان يأخذ البيعة عن المرشد .
وبعد البيعة يمر عضو النظام الجديد علي أربع مراحل تستغرق كل واحدة 15 أسبوعا يتلقي فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية والجهادية إضافة إلي الجانب التعبدي والروحي المتشدد
قيادة التنظيم
وكان النظام الخاص يتشكل وفقا لمجاميع عنقودية متسلسلة حيث يتكون المجموعة القيادية من خمسة أفراد يتولي كل منهم تكوين مجموعة من خمسة آخرين ويظل الأمر مسلسلا إلي ما لا نهاية
ومن هذا التسلسل يكون الأفراد الذين يقومون بالتواصل مع بعضهم ويعرفون بعض لا يزيدون عن ثمانية أفراد , وكانت القيادة العليا للتنظيم تتكون من عشرة أفراد خمسة منهم المجموعة العنقودية الأساسية والتي كانت مشكلة حسب الترتيب التنظيمي من عبدالرحمن السندي ومصطفي مشهور ومحمود الصباغ وأحمد زكي حسن و أحمد حسنين أما الخمسة الآخرون فكانوا صالح عشماوي ومحمد خميس حميده والشيخ محمد فرغلي وعبدالعزيز كامل ومحمود عساف .
وقد سار عبد الرحمن السندى سيرا حسنا موفقا نال به رضاء القيادات والأفراد في النظامين الخاص والعام في الإخوان المسلمين وخاصة الدور الهام الذي قام به أعضاء هذا النظام في حرب فلسطين ومساعدة الثوار الفلسطينيين ومشاركة الجيش المصري هناك إضافة لدورهم في قض مضاجع الإنجليز في القاهرة ومحافظات مصر , ولكن ثمة تغيرات ظهرت على شخص السندي بدأت تقود لتيار مخالف عن نهج المرشد حسن البنا
ويقول عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة " بانتشار وازدياد قوة النظام الخاص أحس عبد الرحمن السندى رحمه الله بقوته وسلطانه وكان يتصرف في بعض الأحيان تصرفات لا يقرها الأستاذ الامام "
وبدأ البنا يتلمس سطوة ونفوذ السندي فقرر أن يخفف من أدوار النظام الخاص بتقسيمه حيث زاد عدد الأعضاء المنتسبين إليه من رجال البوليس ورجال الجيش المصري فقرر البنا إنشاء قسم " الوحدات " وعهد به إلي صلاح شادي الذي كان ضابط بوليس وانضم للجماعة في وقت مبكر وكان هدف هذا القسم تجميع العسكريين والعمال علي هدف الإسلام وكان فرع "البوليس" في هذا القسم يتناول عمله لتعريف الضباط وصف الضباط والجنود بعملهم وكيفية القيام به بإخلاص دون الاعتداء علي الناس وإهدار كرامتهم والتجسس عليهم إلا نشاط القسم بدأ بالتطور خاصة وأن أعضاءه عسكريين حيث أججت الفكرة الإسلامية لديهم الحماسة للرد علي انتهاكات الإنجليز علي أرض مصر ويذكر صلاح شادي أن الإخوان الذين معه في سلاح الصيانة طلبوا منه أن يكون لهم دور في هذا المجال .
وحاول البنا أن يجري تنسيقا بين القسمين ففي احدي اجتماعات النظام الخاص التي كانت بمنزل السندي حضر البنا واصطحب معه شادي وظهر علي وجه السندي وقتها الكراهة والامتعاض وقال للمرشد أنه كان يجب عليه إخطاره قبل أن يفاجأه بهذا الضيف ويروي صلاح شادي أن الحوار بين الرجلين كان نديا ولم يتصور أن يكون هذا شكل الحوار بين المرشد العام للجماعة ورئيس أحد أقسامها .
وزاد قلق البنا دون أن يتحدث مع أحد فقرر أن يباشر الإشراف علي العسكريين الذين ينتمون للجيش شخص ثالث واختار وقتها الصاغ محمود لبيب وهو متقاعد من الجيش ونصبه البنا بمثابة وكيل الجماعة في الشئون العسكرية وأدخله أيضا في تدريب المدنين في النظام الخاص , وبهذا التقلص أصبح السندي لا يتكون جهازه الخاص سوي من المدنين .
النظام الخاص يقضي علي الجماعة
إلا أن القدر لم يمهل البنا الزمن الكافي لإجراء التغيير الذي حدده فدخلت الجماعة بفعل النظام الخاص وحرب فلسطين شوط من الاحتكاك السياسي مع النظام الملكي والوزارة بدأ عندما قرر السندي اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان صباح يوم ٢٢ مارس ١٩٤٨وهو متوجه إلي عمله، علي أيدي شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، وذلك لمواقف الخازندار المتعسفة في قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم علي جنود بريطانيين في الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة في ٢٢ نوفمبر ١٩٤٧.
وأثار هذا الحادث حفيظة البنا بشكل كبير وخرج عن وقاره المعتاد حتي يروي محمد فريد عبدالخالق أحد أعضاء الهيئة التأسيسية للجماعة " أن البنا شد شعر رأسه وقال أنا أبني وهم يهدمون "
ويذكر عبدالعزيز كامل أحد قيادات الجماعة آنذاك في مذكراته أنه نشب خلاف كبير بين البنا والسندي الذي برر مقتل الخازندار عندما علق المرشد علي حكم حبس الشابين قائلا : هو «لو ربنا يخلصنا منه» أو «لو نخلص منه» أو «لو حد يخلصنا منه» وقال البنا أنه لا يتحمل مسئولية قتل الرجل والشباب الذي دفعوا إلي ذلك أمام الله في الوقت نفسه رفض السندي تحمل المسئولية وألقي بالمسئولية علي البنا قائلا : " عندما يقول الأستاذ إنه يتمني الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر " فرد عليه البنا :" أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسؤولية"،فأعقبه السندي: "لا.. أنت قلت لي وتتحمل المسؤولية"
إلا أن الأمر انتهي بلوم السندي وتشكيل لجنة كبار المسؤولين عن النظام الخاص، بحيث لا ينفرد السندي برأي أو تصرف وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا نفسه .
وتسارعت خطوات القدر حيث وقعت الحكومة علي صيد " السيارة الجيب " في 21 /11 / 1948 التي كشفت كل أسرار التنظيم الخاص واعتقل علي إثرها قيادات التنظيم بالكامل بما فيهم السندي واستغل النقراشي وقتها هذا الحادث فقرر حل الجماعة في 8 / 12 / 1948
وعقب قضية السيارة الجيب عين البنا سيد فايز مسئولية النظام الخاص الذي قرر وفقا لروية محمود الصباغ أن ينتقم من الحكومة التي تحارب الإسلام وتحارب دعاة الله الذين ذهبوا للجهاد في فلسطين فكون " سرية " لمجموعة من أفراد النظام والذي استطاع أن ينفذ العملية كان عبدالمجيد أحمد حسن الطالب في كلية الطب البيطري آنذاك
وزيادة وتيرة العنف لدي أعضاء النظام الخاص حينما قرر عبدالرحمن السندي من داخل السجن محاولة نسف دليل الحكومة في قضية السيارة الجيب فأرسل إلي شفيق إبراهيم أنس موظف بوزارة الزراعة وكان عمره 22 عاما وطلب منه نسف مستندات القضية في محكمة الاستئناف وذهل الشاب في 12يناير 1949 وترك حقيبة به مواد ناسفة في غرفة أرشيف المحكمة وخرج إلا أنها لم تنفجر وتم القبض عليه هو الأخر
وهنا فشلت كل محاولات حسن البنا السيطرة علي النظام الخاص الذي يبدو أن السندي استطاع وحده السيطرة عليه حتي من داخل سجنه , فأصدر البنا عقب هذين الحادثين بيانين لاستنكار هذه الحوادث الأول أطلق عليه بيان للناس يرفض فيه أعمال العنف والثاني بعد مقتل النقراشي ووصل به الحد أن يقول أن الذين قاموا بهذه الجريمة " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين "
إلا أن هذه المواجهات التي سببها النظام الخاص ورجاله أوردت الجماعة المهالك حتي أودت بحياة حسن البنا نفسه . فهو لم يكن ليدرك خطورة سيطرة شاب في عمر السندي علي شباب لم تزد أعمارهم في هذا الوقت عن 25 عاما لأكبرهم ألهبهم الحماس للدعوة الإسلامية ورأوا أنفسهم حماة للإسلام خاصة بعد مشاركتهم في حرب فلسطين فشعروا بأنهم حماة للدين نفسه وأن الاعتداء علي جماعتهم اعتداء علي الدين ,
بل تم توجيه هذا الشباب الذي انضم للتنظيم الخاص أنهم هم أعضاء الجماعة الحقيقيين وأن إخوانهم المشتغلين في الدعوة العامة مع البنا هم أقل منهم درجة فهم كانوا يحملون صفة تربوية عرفها البنا لهم " بالأخ المجاهد " بينما المشتغلين مع حسن البنا في الدعوة العامة كانوا يعرفوا " بالأخ العامل "
ويقول صلاح شادي في مراجعاته عن التنظيم الخاص أن هذا النظام لم يكن يعيبه الهدف ولا أسلوب التوجيه وإنما عابه أخطاء التربية التي كانت صارمة وشديدة خاصة في مساحة السمع والطاعة المبالغة
ولعل هذا المبالغة التي بدأت من البيعة لشخص مجهول جعلت أعضاء هذا التنظيم لا يسمعون سوي للسندي , ويروي الصباغ أنه عندما علم بأن صالح عشماوي هو الشخص الملثم الذي أخذ البيعة حكي هذا الأمر لأحد أعضاء التنظيم في بورسعيد يدعي حامد المصري فقال أن تأثر تأثرا شديدا وقال له : " يا أخي لم تضيع مني جانبا من جوانب سعادتي , فقد كان من جوانب سعادتي بالبيعة أنني لم أعرف اسم من أخذتها عليه حيث استمر في مخيلتي وكأنه ملاك رحمة يأخذ بأيدنا إلي طريق العز والخلود "
هذه الدرجة العالية من الثقة والطاعة العمياء محت من عقول هؤلاء الأعضاء المخلصين التفكير في عواقب عدم استخدامهم عقولهم ليميزوا بين دورهم في الجهاد علي أرض فلسطين وبين تسلط قائدهم السندي الذي أظهر نديته للمرشد الجماعة وأخفي عنه أسرار هذا الكيان فهو يري في نفسه حارسا للمعبد وهو الحريص علي أمور الدعوة وهو الأدري بمصلحتها وشكل بنفسه ميزانا يزن به الأمور حتي أنه انقلب علي المرشد الجديد حسن الهضيبي وطالب أعضاء التنظيم بمحاصرته في بيته وإرغامه علي الاستقالة بعد أن رفع أحد الأعضاء المسدس في وجه الهضيبي .
بهذه الصورة يرسم محمود الصباغ الطالب في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول شعوره خلال لقاءه الأول بالإمام حسن البنا في عام 1939عندما ساقه زميله في الكلية مصطفي مشهور للتعرف علي الإمام .
وكيف ساقه هذا اللقاء للتفكير بالوسائل التنفيذية لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ،والتي تجلت واضحة في مقاتلة العدو ! من خلال "جيش مسلم " سيتحقق له النصر مؤكدا له لو صدق ما عاهد الله عليه )
ويقول الصباغ همست بما يجول بخاطري لمصطفي مشهور ، فعرفني علي أخي في الله المرحوم الأستاذ عبدالرحمن السندي بصفته المسئول عن إعداد "جيش المسلمين "في تنظيم الإخوان المسلمين
هكذا يروي أحد قادة التنظيم الخاص الذي أنشأه الإمام حسن البنا في مطلع القرن الماضي ويقول الصباغ أن " النظام الخاص " لجماعة الإخوان المسلمين هو الاسم الحركي لجيش مسلم يلتزم بأحكام الله في كل ما يصدر عنه من أعمال .
وأني أنبه القارئ أننا سنغوص معا في حقبة تاريخية صعبة وشديدة الوعورة ذلك للطبيعة السرية التي يتصف بها هذا الجهاز خلافا للظرف الزمني الذي اتسمت به هذه الفطرة , إذ سنحتاج ونحن نصدر حكما علي هذه الحقبة ونحن نتحسس مساراها في بيوتنا أن نرتدي نظارة مكبرة تطلعنا علي أسرار هذا الزمن الذي لم ينكشف منه سوي القليل .
تكوبن النظام الخاص
تختلف روايات الجماعة عن تاريخ نشأة هذا التنظيم فمنهم من يقول أن البنا أنشأه في عام 1936 وفريق آخر يؤكد أن النظام الخاص بدأ عام 1940 حين دعا البنا خمسة من الثقاة حوله وهم صالح عشماوي وحسين كمال الدين وحامد شريت وعبدالعزيز أحمد ومحمود عبدالحليم .
وأين كان موعد ولادة هذا التنظيم الخاص إلا أن هذه المرحلة كانت تمثل منعطفا هاما في تاريخ البلاد حيث كانت تعاني مصر من الأمية العسكرية وضعف البناء العسكري للجيش المصري في الوقت الذي كان يتخلص فيه المصرين من الجهادية أو الجندية مقابل دفع عشرون جنيها ،بينما كانت البلاد تقع تحت نيران الاحتلال الإنجليزي
وأدرك البنا كما أدرك الكثيرون من أبناء هذا الوطن سيناريو التوطين للاحتلال الإنجليزي في مصر ودعمه لليهود بفلسطين وزاد من دفع البنا في هذا الاتجاه طلب أمين الحسيني مفتي القدس آنذاك مسانده في حربه علي عصابات اليهود التي تتسلل إلي فلسطين .
وهنا أدرك البنا أن قضية فلسطين هي قضية جماعة الإخوان المسلمين وأن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يتركوا مصر ولا فلسطين , ومع شعوره بضعف الحكومات العربية وهزل الجيش المصري في هذا الوقت فكان هذا حافزا آخر لتكوين " النظام الخاص " الذي يقع دوره علي إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة والتدريب علي العمليات العسكرية وذلك لمصلحة مصر ضد العدو الخارجي وليس الداخلي وذلك حس ما أجمع عليه جميع قادة الإخوان إلا أنهم اختلفوا حول هدف آخر وهو أن يكون من أهداف هذا الجهاز هو حماية الدعوة من المكائد الحزبية والمحاولات التي كانت بعض الأحزاب تقوم بها لإيقاع الضرر بالدعوة ورجالها , ونقل هذا الهدف عن عدد قليل من رجالات هذا النظام منهم الحاج فرج النجار الذي اضطلع بأدوار لهذا النظام في محافظة المنوفية ويعد هذا الهدف نقطة خلافية بين أعضاء بالجماعة رغم أن النظام الخاص لم يكن بدعًا عند الإخوان، فكل القوى السياسية الموجودة بالساحة في الوقت كان لديها أجهزة عسكرية سرية مثل "الوفد" و"السراي" و"مصر الفتاة" وعرف وقتها أصحاب اليقات الزرقاء والحرس الحديدي حتى أن " الضباط الأحرار " كان تنظيما سريا في هذا الوقت .
ومع ذلك فقد نقلت أحكام قضية " السيارة الجيب " عام 1948 والتي عثر وقتها البوليس السياسي علي سيارة بها جميع أسرار النظام الخاص لجماعة الإخوان ومن بينهم أوراق التكوين والأهداف وقدمتها حكومة النقراشي وقتها لمحكمة الجنايات فقد اضطلعت المحكمة علي أهداف النظام وقالت في حكمها الذي برأة معظم المتهمين أن من ضمن المضبوطات ورقة جاء فيها : " كن فدائيا ورب نفسك وصبحك علي أعمال الفدائيين التي ثبت فائدتها أثناء الاحتلال الألماني لأوربا وكان أثرها أن اختل نظام القيادة العسكرية الألمانية وحدثت خسائر جسيمة في قوات الاحتلال "
ورأت وقتها المحكمة نبل مقصد هذا النظام وقالت في حكمها عن المدانين منهم : " إن المدانين كانوا من ذوي الأغراض السامية التي ترمي أول ما ترمي إلي تحقيق الأهداف الوطنية لهذا الشعب المغلوب علي أمره . "
وعهد حسن البنا قيادة التنظيم الخاص إلي صالح عشماوي وكان آنذاك وكيلا للجماعة وحظي محمود عبدالحليم بمساحة تنفيذية واسعة في بداية إنشاء هذا التنظيم حيث يقول " عند مباشرة عملية الإنشاء وجدت نفسي أشبه بالعضو المنتدب لهذه القيادة " فهو كان مندوبا عن الطلبة في القاهرة واستطاع أن يجعل من الطلاب العنصر الأساسي في تكوين هذا التنظيم العسكري الذي تم تقسيمه لمجموعات عنقودية صغيرة لا تعرف بعضها مع تلقينهم برنامجا إيماني وروحي مكثف إضافة غلي دراسة مستفيضة للجهاد في الإسلام وكذلك التدريب علي استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة والمبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر .
ويقول صلاح شادي -الذي نصبه البنا رئاسة " قسم الوحدات " وهو جهاز سري آخر يضم رجال البوليس – : " إن آثار المبالغة كانت احدي ثغرات الفهم التي ترتب عليها أخطاء أثرت علي نجاح كثير من العمليات الفدائية التي قام بها النظام "
وظل محمد عبدالحليم مسئولا تنفيذيا عن النظام حتي اضطرته ظروفه إلي الانتقال من القاهرة إلي محافظة البحيرة فطلب منه البنا أن يستخلف شخصا آخر يباشر الإشراف علي أعمال التنظيم .
فعرض عبدالحليم قيادة النظام علي طالب كان يسكن في نفس المبني الذي يعيش فيه وكان هو عبدالرحمن السندي الذي كان وقتها طالبا في السنة الأولية بكلية الآداب وكان مريضا بالقلب , حيث رأي فيه عبدالحليم الصلاح لقيادة هذا الجهاز العسكري والذي اختار أن يترك دراسته ويكتفي بالبكالوريا " الثانوية العامة " وعمل موظفا بوزارة الزراعة , وعرض عبدالحليم أمر السندي علي البنا الذي وافق عليه حيث بايعه علي أن يقود النظام ولكن ألا يقدم علي أية خطوة عملية إلا بعد مراجعة القيادة العليا للتنظيم والبنا شخصيا .
وكانت أول أعمال التنظيم في عهد السندي في عام 1945 حينما رأي إخوان النظام أن يعملوا علي بث الخوف في قلوب الجنود الإنجليز العابثين الذين كانوا يقتلون الأبرياء ويهتكون الأعراض ويحطمون واجهات المحالات يوميا وهم سكاري , فقرر النظام الخاص أن يلقوا علي النادي البريطاني قنبلة في ليلة عيد الميلاد وهي لم تقتل أحدا ولكن بثت في قلوب الإنجليز الرعب في هذا الوقت , وتلت هذه العملية وضع قنابل غير متفجرة في ستة من أقسام الشرطة بالقاهرة في عام 1946 لإجهاض مشروع معاهدة صدقي بيفن التي استقالت علي إثرها حكومة إسماعيل صدقي باشا .
أسلوب التربية في النظام الخاص
ويروي محمود الصباغ أنه بعد أن عرفه مصطفي مشهور بالسندي المسئول عن إعداد الجيش المسلم في تنظيم الإخوان المسلمين حيث كان الأسلوب في ذلك الوقت هو أن يُربط الأخ الجديد بالسندي وكان أول ما يتعاهد عليه هو أن تميز " الجيش " عن الدعوة العامة بالسرية وكان أول ما يختبر به العضو الجديد فيما يعلن من رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس علي نفقته الخاصة والذي لم يكن يزد ثمنه في هذا الوقت عن ثلاثة جنيهات .
ولم يكن الانضمام للنظام الخاص بالأمر اليسير فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة " المكون " وهو يعني الشخص الذي يقوم بتكوين أعضاء النظام وتبدأ هذه الجلسات بالتعارف الكامل علي المرشح ثم جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة وتكون بمثابة الاختبار حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها ويستتبع ذلك مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدي نجاحه في المهمة التي كلف بها حتي يتدخل الشخص المكون في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح من القيام بالمهمة ويستتبع ذلك جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة حيث يدعي المرشح للبيعة والشخص المسئول عن تكوينة إضافة للسندي حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي تكون مطفأة الأنوار فيجلسون علي فرش علي الأرض في مواجهة شخص مغطي جسده تماما من قمة رأسه إلي قدمه بر داء أبيض يخرج يداه ممتدتان علي منضدة منخفضة " طبلية " عليها مصحف شريف , ويبدأ هذا الشخص المغطي بتذكير المرشح بآيات القتال وظروف سرية هذا " الجيش " ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة التي تؤدي خيانتها إخلاء سبيله من الجماعة ويخرج هذا الشخص مسدسا من جيبه ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة وبعدها يصبح المرشح عضوا في " الجيش الإسلامي "
ويقول محمود الصباغ في كتابه " حقيقة التنظيم الخاص " أنه عندما ترقي للقيادة في هذا التنظيم اكتشف أن الشخص المغطي كان هو صالح عشماوي وكيل الجماعة الذي كان يأخذ البيعة عن المرشد .
وبعد البيعة يمر عضو النظام الجديد علي أربع مراحل تستغرق كل واحدة 15 أسبوعا يتلقي فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية والجهادية إضافة إلي الجانب التعبدي والروحي المتشدد
قيادة التنظيم
وكان النظام الخاص يتشكل وفقا لمجاميع عنقودية متسلسلة حيث يتكون المجموعة القيادية من خمسة أفراد يتولي كل منهم تكوين مجموعة من خمسة آخرين ويظل الأمر مسلسلا إلي ما لا نهاية
ومن هذا التسلسل يكون الأفراد الذين يقومون بالتواصل مع بعضهم ويعرفون بعض لا يزيدون عن ثمانية أفراد , وكانت القيادة العليا للتنظيم تتكون من عشرة أفراد خمسة منهم المجموعة العنقودية الأساسية والتي كانت مشكلة حسب الترتيب التنظيمي من عبدالرحمن السندي ومصطفي مشهور ومحمود الصباغ وأحمد زكي حسن و أحمد حسنين أما الخمسة الآخرون فكانوا صالح عشماوي ومحمد خميس حميده والشيخ محمد فرغلي وعبدالعزيز كامل ومحمود عساف .
وقد سار عبد الرحمن السندى سيرا حسنا موفقا نال به رضاء القيادات والأفراد في النظامين الخاص والعام في الإخوان المسلمين وخاصة الدور الهام الذي قام به أعضاء هذا النظام في حرب فلسطين ومساعدة الثوار الفلسطينيين ومشاركة الجيش المصري هناك إضافة لدورهم في قض مضاجع الإنجليز في القاهرة ومحافظات مصر , ولكن ثمة تغيرات ظهرت على شخص السندي بدأت تقود لتيار مخالف عن نهج المرشد حسن البنا
ويقول عمر التلمسانى المرشد الثالث للجماعة " بانتشار وازدياد قوة النظام الخاص أحس عبد الرحمن السندى رحمه الله بقوته وسلطانه وكان يتصرف في بعض الأحيان تصرفات لا يقرها الأستاذ الامام "
وبدأ البنا يتلمس سطوة ونفوذ السندي فقرر أن يخفف من أدوار النظام الخاص بتقسيمه حيث زاد عدد الأعضاء المنتسبين إليه من رجال البوليس ورجال الجيش المصري فقرر البنا إنشاء قسم " الوحدات " وعهد به إلي صلاح شادي الذي كان ضابط بوليس وانضم للجماعة في وقت مبكر وكان هدف هذا القسم تجميع العسكريين والعمال علي هدف الإسلام وكان فرع "البوليس" في هذا القسم يتناول عمله لتعريف الضباط وصف الضباط والجنود بعملهم وكيفية القيام به بإخلاص دون الاعتداء علي الناس وإهدار كرامتهم والتجسس عليهم إلا نشاط القسم بدأ بالتطور خاصة وأن أعضاءه عسكريين حيث أججت الفكرة الإسلامية لديهم الحماسة للرد علي انتهاكات الإنجليز علي أرض مصر ويذكر صلاح شادي أن الإخوان الذين معه في سلاح الصيانة طلبوا منه أن يكون لهم دور في هذا المجال .
وحاول البنا أن يجري تنسيقا بين القسمين ففي احدي اجتماعات النظام الخاص التي كانت بمنزل السندي حضر البنا واصطحب معه شادي وظهر علي وجه السندي وقتها الكراهة والامتعاض وقال للمرشد أنه كان يجب عليه إخطاره قبل أن يفاجأه بهذا الضيف ويروي صلاح شادي أن الحوار بين الرجلين كان نديا ولم يتصور أن يكون هذا شكل الحوار بين المرشد العام للجماعة ورئيس أحد أقسامها .
وزاد قلق البنا دون أن يتحدث مع أحد فقرر أن يباشر الإشراف علي العسكريين الذين ينتمون للجيش شخص ثالث واختار وقتها الصاغ محمود لبيب وهو متقاعد من الجيش ونصبه البنا بمثابة وكيل الجماعة في الشئون العسكرية وأدخله أيضا في تدريب المدنين في النظام الخاص , وبهذا التقلص أصبح السندي لا يتكون جهازه الخاص سوي من المدنين .
النظام الخاص يقضي علي الجماعة
إلا أن القدر لم يمهل البنا الزمن الكافي لإجراء التغيير الذي حدده فدخلت الجماعة بفعل النظام الخاص وحرب فلسطين شوط من الاحتكاك السياسي مع النظام الملكي والوزارة بدأ عندما قرر السندي اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان صباح يوم ٢٢ مارس ١٩٤٨وهو متوجه إلي عمله، علي أيدي شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، وذلك لمواقف الخازندار المتعسفة في قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم علي جنود بريطانيين في الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة في ٢٢ نوفمبر ١٩٤٧.
وأثار هذا الحادث حفيظة البنا بشكل كبير وخرج عن وقاره المعتاد حتي يروي محمد فريد عبدالخالق أحد أعضاء الهيئة التأسيسية للجماعة " أن البنا شد شعر رأسه وقال أنا أبني وهم يهدمون "
ويذكر عبدالعزيز كامل أحد قيادات الجماعة آنذاك في مذكراته أنه نشب خلاف كبير بين البنا والسندي الذي برر مقتل الخازندار عندما علق المرشد علي حكم حبس الشابين قائلا : هو «لو ربنا يخلصنا منه» أو «لو نخلص منه» أو «لو حد يخلصنا منه» وقال البنا أنه لا يتحمل مسئولية قتل الرجل والشباب الذي دفعوا إلي ذلك أمام الله في الوقت نفسه رفض السندي تحمل المسئولية وألقي بالمسئولية علي البنا قائلا : " عندما يقول الأستاذ إنه يتمني الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر " فرد عليه البنا :" أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسؤولية"،فأعقبه السندي: "لا.. أنت قلت لي وتتحمل المسؤولية"
إلا أن الأمر انتهي بلوم السندي وتشكيل لجنة كبار المسؤولين عن النظام الخاص، بحيث لا ينفرد السندي برأي أو تصرف وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا نفسه .
وتسارعت خطوات القدر حيث وقعت الحكومة علي صيد " السيارة الجيب " في 21 /11 / 1948 التي كشفت كل أسرار التنظيم الخاص واعتقل علي إثرها قيادات التنظيم بالكامل بما فيهم السندي واستغل النقراشي وقتها هذا الحادث فقرر حل الجماعة في 8 / 12 / 1948
وعقب قضية السيارة الجيب عين البنا سيد فايز مسئولية النظام الخاص الذي قرر وفقا لروية محمود الصباغ أن ينتقم من الحكومة التي تحارب الإسلام وتحارب دعاة الله الذين ذهبوا للجهاد في فلسطين فكون " سرية " لمجموعة من أفراد النظام والذي استطاع أن ينفذ العملية كان عبدالمجيد أحمد حسن الطالب في كلية الطب البيطري آنذاك
وزيادة وتيرة العنف لدي أعضاء النظام الخاص حينما قرر عبدالرحمن السندي من داخل السجن محاولة نسف دليل الحكومة في قضية السيارة الجيب فأرسل إلي شفيق إبراهيم أنس موظف بوزارة الزراعة وكان عمره 22 عاما وطلب منه نسف مستندات القضية في محكمة الاستئناف وذهل الشاب في 12يناير 1949 وترك حقيبة به مواد ناسفة في غرفة أرشيف المحكمة وخرج إلا أنها لم تنفجر وتم القبض عليه هو الأخر
وهنا فشلت كل محاولات حسن البنا السيطرة علي النظام الخاص الذي يبدو أن السندي استطاع وحده السيطرة عليه حتي من داخل سجنه , فأصدر البنا عقب هذين الحادثين بيانين لاستنكار هذه الحوادث الأول أطلق عليه بيان للناس يرفض فيه أعمال العنف والثاني بعد مقتل النقراشي ووصل به الحد أن يقول أن الذين قاموا بهذه الجريمة " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين "
إلا أن هذه المواجهات التي سببها النظام الخاص ورجاله أوردت الجماعة المهالك حتي أودت بحياة حسن البنا نفسه . فهو لم يكن ليدرك خطورة سيطرة شاب في عمر السندي علي شباب لم تزد أعمارهم في هذا الوقت عن 25 عاما لأكبرهم ألهبهم الحماس للدعوة الإسلامية ورأوا أنفسهم حماة للإسلام خاصة بعد مشاركتهم في حرب فلسطين فشعروا بأنهم حماة للدين نفسه وأن الاعتداء علي جماعتهم اعتداء علي الدين ,
بل تم توجيه هذا الشباب الذي انضم للتنظيم الخاص أنهم هم أعضاء الجماعة الحقيقيين وأن إخوانهم المشتغلين في الدعوة العامة مع البنا هم أقل منهم درجة فهم كانوا يحملون صفة تربوية عرفها البنا لهم " بالأخ المجاهد " بينما المشتغلين مع حسن البنا في الدعوة العامة كانوا يعرفوا " بالأخ العامل "
ويقول صلاح شادي في مراجعاته عن التنظيم الخاص أن هذا النظام لم يكن يعيبه الهدف ولا أسلوب التوجيه وإنما عابه أخطاء التربية التي كانت صارمة وشديدة خاصة في مساحة السمع والطاعة المبالغة
ولعل هذا المبالغة التي بدأت من البيعة لشخص مجهول جعلت أعضاء هذا التنظيم لا يسمعون سوي للسندي , ويروي الصباغ أنه عندما علم بأن صالح عشماوي هو الشخص الملثم الذي أخذ البيعة حكي هذا الأمر لأحد أعضاء التنظيم في بورسعيد يدعي حامد المصري فقال أن تأثر تأثرا شديدا وقال له : " يا أخي لم تضيع مني جانبا من جوانب سعادتي , فقد كان من جوانب سعادتي بالبيعة أنني لم أعرف اسم من أخذتها عليه حيث استمر في مخيلتي وكأنه ملاك رحمة يأخذ بأيدنا إلي طريق العز والخلود "
هذه الدرجة العالية من الثقة والطاعة العمياء محت من عقول هؤلاء الأعضاء المخلصين التفكير في عواقب عدم استخدامهم عقولهم ليميزوا بين دورهم في الجهاد علي أرض فلسطين وبين تسلط قائدهم السندي الذي أظهر نديته للمرشد الجماعة وأخفي عنه أسرار هذا الكيان فهو يري في نفسه حارسا للمعبد وهو الحريص علي أمور الدعوة وهو الأدري بمصلحتها وشكل بنفسه ميزانا يزن به الأمور حتي أنه انقلب علي المرشد الجديد حسن الهضيبي وطالب أعضاء التنظيم بمحاصرته في بيته وإرغامه علي الاستقالة بعد أن رفع أحد الأعضاء المسدس في وجه الهضيبي .
الصورة الرئيسية صورة غلاف كتاب حقيقة التنظيم الخاص لمحمود الصباغ والصورة تضم الإمام البنا ومصطفي مشهور واحمد حسناين وأحمد عادل كمال وعبدالرحمن السندي ومحمود الصباغ
جزاكم الله خيرا
ReplyDeleteسرد تاريخي جيد
وإن كنت أختلف مع بعض ما فيه من تحليلات
في انتظار البقية
رائع يا صديقي
ReplyDeleteحقيقة رائع
لكن تساؤل .. إذا كنت قد بدأت ب 1 .. و عام 1936 .. فإلى أين ستنتهي يا سيد منعم :D
اعتقد ان السخن جاي في الطريق :):)
دمت بخير
احترم اسلوبك المحرض
ReplyDeleteواحترم اسلوبك العقيم
احترمك لدرجة مقززة
كفى تشويهاً لتاريخنا
كفى كفى كفى ما فائدة ما تقول
انت تعطى الفرصة للاعداء ان يتصيدوا هفواتك ومهاتراتك
كفاية منعم
كفاية منعم
كفاية منعم
اما يكفيك انك نكثت بوعدك وبيعتك
كفاية يا بتاع الدستور
منعم ههههههههههه
انا اخــــــــــــــوان
انت يا ابني ما وركش حاجة الا اخوان
ReplyDeleteولا عشان ما بتعرفشي تكتب حاجة تانية وشهرتك جيت منهم ارحمنا شوية حرام عليك ايه الكلام العبيط الا انت بتكتبه ده ده لو دل انما يدل انك مكنتش يوم من الاخوان ولا عرفت يعني ايه اخوان
مسلم
في البداية تحية لعبد المنعم محمود الموضوع جيد جدا
ReplyDeleteثانيا للناس الي كاتبه تعليقات
اظن ان الموضوع لا يحمل اي تشويه للجماعة بالعكس تماما
والله لو كان الاخوان بلا اخطاء لما انضممت اليهم
وهل تظنون ان التاريخ ابيض ناصع البياض لا يحتمل الخطا او التاويل
لا بد ان نفرق بين التاريخ والفكرة
والاشخاص والفكرة
كما نفرق بين الاسلام والتاريخ الاسلامي
فليس معني اختلاف الصحابة بعد مقتل عثمان
ان الاسلام خاطيء
الاخوان ليسوا كيان مقدس
نحن الاخوان وقد نخطيء نحن او نصيب نحن
رجاء من الاخوة رفقا باخوكم عبد المنعم
لاتسيئوا الظن به
الإخوة المجهولين كالعادة (عرفهم الله على رأي منعم) ما المشكلة فيما هو مكتوب؟
ReplyDeleteياكش تكونوا فاكرين إن دي أسرار مثلا وإن النظام لا يعرف إن عندنا أخطاء
على فكرة النظام يعرف عن الجماعة أكثر مما يعرف معظمكم
واللي بيقول الكلام عبيط أضحكني، لأن الكلام إن لم يكن كله حقيقيا فجله كذلك، وهو رواية تاريخية لما حدث
بعد شوية هؤلاء المجهولين (المغيبين) هيقولوا أنه لم يحدث انقلاب مسلح من التنظيم الخاص على المرشد، وهيقولوا إن حادث المنشية لم يكن من إنتاج التنظيم الخاص (والخلاف عما إذا كان مخترقا أم لا) بعيدا عن قرارات النظام العام الشرعي لأن النظام الخاص كان يأخذ قراراته بنفسه كما هي آفة أي تنظيم يجمع بين العمل السياسي والعسكري كما يقول المستشار البشري، وهو خطأ التفت له البنا متأخرا
الاستاذ /عبد المنعم
ReplyDeleteجميل ان نخترق الحجب ونشعل شمعة لتتضىء للناس سواتر الظلام ولكننا حينما نريد ان نضىء الطريق لابد ان نفكر بعمق فقد تخلص نياتنا الى عمل الخير بينمانحن نخرب ظانين الاصلاح وندمر ظانين التعمير
اخى فى الله مالفائدة التى تعود على القراء من كشفك لملفات لاتفيد احدا بقدر موضوعات اخرى هى احرى بالتناول
لذلك فانى ارجوك بالسماح لى بالتطفل عليك قائلا:
الى من توجه هذه المقالات
1- الى عامة الناس وماذا يفيد عامة الناس ان وجدت مقالات من اناس يتحدثون باسم"انا اخوان" بهذا النقد المتكرر فقد يفقدون الثقة فى الجماعة التى يرى الكثيرون فيها الامل ولا اقصد بذلك تغييب الحقيقة ولكننى اقصد اختيار التوقيت
2- الى الاخوان ومن قال ان الاخوان يحجر عليهم حتى لاينقبوا فى تاريخهم وهم لايعتقدون انه بياض بلا سواد
انا ارى انه ليست هناك طائفة واحدة ستستفيد استفادة مغيرة من هذه المقالات
نريد توجيه النظر الى اسس الاصلاح
عدنى بالتفكيرفى كلام اخيك الضعيف والسلام
ايوخ كده اظهرالتاريخ الأسود علشان كل الناس يعرفوه وعشان محدش بعد كده محدش يتباهي بهذا النظام الأسود
ReplyDeleteالسلام عليكم
ReplyDeleteو بعد
أخونا اللى عمالين يهاجموا منعم الراجل بيحكى على لسان أفراد من النظام الخاص
و أظن أن الاخوان لا يعيبهم دة بس ياريت نتعلم من أخطاء الماضى
أستاذ منعم سر على بركة الله
احمد حنفى
السلام عليكم
ReplyDeleteو بعد
أخونا اللى عمالين يهاجموا منعم الراجل بيحكى على لسان أفراد من النظام الخاص
و أظن أن الاخوان لا يعيبهم دة بس ياريت نتعلم من أخطاء الماضى
أستاذ منعم سر على بركة الله
احمد حنفى