
تابعناك منذ بداية الخط الجديد الذي ابتدعته في انتقاداتك لتوجهات الجماعة ، منذ موضوعاتك الأولى على مدونتك الخاصة ، وولادة هذا اللون الجديد الذي ظهر في حديث الكثير من الشباب على المنتديات وفي جلسات النقاش ، حول التغيير وحتمية الاصلاح الداخلي للجماعة .
ومع هذه البداية القوية والحراك الفكري الذي ظهر في الجيل الجديد ظهرت بعض الأسماء منها إسمك ممن أثاروا الكثير من الانتقادات من الداخل ،ومع القلق الذي كان واضحاً من انتشار حالة من التخبط ، حدث تراجع نوعي في االأسلوب ، فظهرت المدونات بحلة جديدة ، وألصق الكثيرون جملتهم المشهورة " أنا من مدوني الإخوان "...
ومن هنا ابتدعت أنت هذا الأسلوب ،فأصبح كل طفل وشاب وفتاة يكتب على مدونته "أنا من مدوني الإخوان " .. ثم يبدأ في ارتداء قبعتك في التفكير ،ناقداً ما يحدث داخل الجماعة داعياً إلى التغيير ...
وأصبح الكل يجلس خلف لوحة المفاتيح يُحلل ، و ينقد وكأن حالة من الإلهام الفكري السياسي قد أصابت الجميع مرة واحدة ..
أنا معك أن موضوعات النقد كلها تلمس واقعاً حياً وربما كان الكثير منه صحيحاً ، فالكثير يدرك حاجتنا إلى التغيير والإصلاح .. ليس على مستوى مناهج ، وأهداف مرحلية وحسب ، ولكن دعوة لإصلاح التوجه العام ، وآليات الجماعة ، وتعاطيها مع المستجدات على الساحة وطبيعة المرحلة التي يعيشها العالم ... وبات الكثير يتحدث عن أهمية مراجعة ثوابت الجماعة ، ونخل ما جاء في تراثها ليتناسب مع متطلبات العصر ..
الظاهرة التي إبتدعتها ، رافقتها انتقادات من خارج الجماعة من مختصين أو من أناس كانوا أفراد سابقين في الجماعة ،كما تزامن كل هذا مع انتقادات أخرى خارج مصر مع إشكالات الجزائر الأخيرة التي خلقت جو من النقاش والخلاف الساخن بين شباب الحركة ، وبعدها أحداث لبنان ، ومن قبلها العراق ، وما حدث معه من تصريحات للمرشد ، وحوارت انتقدت فيها الجماعة ..ثم جاءت انتخابات مجلس الشورى داخل الجماعة ، وقبلها الانتخابات في الأردن .. وغيرها من أمور أخذت حظها في الانتقادات والحوارات والتصريحات هنا وهناك من داخل أفراد الجماعة ومن خارجها ، والشرح يطول والأحداث أطول أو عقد من أن أكتب عنها في سطور .. لكن أردت بحديثي هذا أن أقول لك ، اننا الآن أمام حالة من التخبط والتششت الفكري أُصيب بها قاعدة ليست بقللية من الشباب ، حتى وإن لم يكن الكل يتحدث بنفس نبرة الحديث ، لكن هناك تململ عام من الوضع الداخلي للجماعة ..
لكن..
وبعد أن كنت ممن بدأوا تلك الظاهرة من النقد والدعوة إلى الإصلاح الداخلي ، وبعد أن كتبت ما أردت كتابته من مقالات ، وموضعات على المودنة الخاصة بك ، وبعد أن وصل صوتك لأصحاب القرار في الجماعة ، وبعد أن انتشرت تلك الظاهرة بين شباب الإخوان على مستويات مختلفة ..
ماذا بعد؟
لماذا أخذك خط نقد الجماعة بعيداً ، فخلطت بين عملك المهني كصحفي ، وبين طريقة تفكيرك وإيمانك بالإصلاح ؟غيرك قد عرف طريقه وترك الجماعة وبحث عن البديل ، لكني أراك وقد وقفت على الباب فلا أنت خرجت ، ولا أنت دخلت ..
كلنا نَنُقد ما يحدث ، ونحاول .. ، وربما نصطدم بالواقع المرير ، لكن ..منا من أراح نفسه ،و بحث عن بديل ليضع فيه جهده في سبيل نهضته ونهضة مجمتعه ..ومنا من يأس من محاولات الدعوة إلى التغيير ، لكنه ظل يحلق داخل السرب مؤمناً أن لا بديل خير مما نحن فيه محاولاً بذل ما يستطيع ..ومنا من رأي أن الزمن جزء من العلاج ، فاستمر في إتجاه تفكيره يجتهد ولا ينظر وراءه.ومنا من هو مقتنع بأننا بخير ولا نحتاج إلا إلى بعض الإخلاص وفقط لنسير كسابق عهدنا .
أمّا أنت .. فماذا تريد ؟
هل تُحسب من شباب الجماعة الغيورين على صرح له تاريخ في النهضة ، وتريد له الاستمرار؟أم أنك تلملم ما تبقى لك من ذكريات داخل الجماعة ،استعداداً للرحيل ؟
إن كنت تريد الأصلاح حقاً ، فلن تكون نبرتك في الحديث عن الجماعة بهذا الشكل الذي ورد في مقالاك الأخيرة .وإن كنت ممن يسعون إلى نهضة المحتمع والبحث عن الحلول لقضاياه ومشاكله ، فاعتقد أنه ليس الطريق ولا الأسلوب الأسلم للوصول لما تريد ، فإسراف الوقت والجهد في نقد جماعة الأخوان المسلمين لن يُصلح مجتمع ، ولا يقيم نهضة ..
كنت أتمنى أن تستمر في تبنيك لقضايا الإصلاح من أجل الإصلاح والتغيير وفقط ، حتى وإن لم تجد آذاناً صاغية لما تقول ...لا أُحملك ظاهرة ولا تبعاتها ، لكن .. ربما كنا بحاجة لمن يفكر ويسعى ويبذل ما في وسعه للنهوض بمن حوله ، دون أن تختلط عليه الأهداف ، ويضيع بين الرؤى ..
والآن .. وقد أخذتك أمواج التغيير بعيداً عن الشاطئ ،فلا أنت وصلت إلى بر الأمان ، ولا أنت وجدت الشاطئ البديل ..ماذا بعد ؟