عانت تنظيماتنا السياسية في مصر من أحزاب وقوي سياسية
من شمولية النظام الحاكم بداية من حكم العسكر في يوليو ١٩٥٢ حتي عهد الرئيس المخلوع
حسني مبارك فانهارت الحياة السياسية كليا ، واصبحت التنظيمات السياسية بين أحزاب وقوي
شكلية يستخدمها هذا النظام الشمولي ديكورا له امام العالم الدولي ان لديه أحزابا معارضة
، وبين قوي سياسية اخري أصرت علي الحضور علي أرض العمل العام رغم محاولات هذه النظم حظهرها وحصارها فعملت تحت
الأرض وكونت تنظيمات حديدية في مواجهة بطش هذه النظم الشمولية
وعلي الرأس من هذه التنظيمات جماعة الإخوان المسلمين
وهي أكثر القوي التي عانت من بطش حكم الحزب الواحد ونخبة الإدارة الفاسدة في البلاد
عبر عصور عبدالناصر والسادات ومبارك ، فسعت الجماعة ان تظل متماسكة وقوية امام صدمات
هذه النظم المستبدة عبر تكوين تنظيم قوي يسيطر بيد من حديد علي اعضاؤه حرصا علي التماسك
والوحدة وعدم التأثر بموجات الانشقاق والانقسام ، فقامت بتربية وتنشئة هؤلاء الأعضاء
المخلصون علي تسليم عقولهم وعواطفهم لقياداتهم التي اعتبروا الثقة فيها ركنا أصيلا
في الإنتماء لهذه الجماعة
وعبر سنين المحنة التي عاشتها الجماعة مع أنظمة
الحكم سعيا لانتشار فكارها الوسطي ومشروعها الوطني أحكمت القيادة سيطرتها علي التنظيم
وقسمت أعضاؤها مراتب عدة حسب ولائهم وتسليمهم لعقولهم لهذه القيادة وتبدأ مراتب هذه
الأعضاء من محب الي مؤيد ثم مؤيد قوي ثم منتسب ثم منتظم ثم أخا عاملا ، والأخير هو
الذي يبدأ به الشخص عضويته الكاملة في الجماعة ويحق له التصويت في انتخاباتها الداخلية
ومن ثم حقه في الترشيح حسب اللائحة الداخلية للتنظيم
وسعت قيادة الإخوان التي ربما لم تشهد تغييرا جذريا
منذ منتصف الثمانيات الي أقصي درجات الحفاظ علي هذا التنظيم الذي وصل بها من تعديل
دوره من مجرد وسيلة لنقل افكارها ومشروعها الي هدف في حد ذاته واصبح استمراره خيارا
استراتيجيا وصل بها في تنظيرها الفكري الي ما يقارب العقيدة
وساعد علي ذلك كثيرا ثقافة " المحنة " التي تعرضت لها الجماعة
طوال هذه السنين من تثبيت دعائم هذه الثقافة في عقول أعضاؤها فكل ما تتعرض له من انتهاك
من السلطة وسجن واعتقال ربما يتساوي عندهم لما تتعرض له من نقد لخطابها أو خياراتها
السياسية ، واصبح جهاز استقبال أعضاء الجماعة فقط من قيادته التي يرونها دوما راشدة
في كل قراراتها .
وفي هذا السبيل سعت قيادة الجماعة والتي ترتبط فكريا
بالمفكر الاسلامي المتشدد سيد قطب إلي إقصاء وإبعاد كل من يختلف معها داخليا ، أو من
تري هذه القيادة أن مجرد جهاز استقباله بدأ يقبل اشارات أخري بجوار إشاراتها ، وكان
يتم هذا قبل الثورة بهدؤ وربما ظهر علي السطح أمام الرأي العام في الانتخابات الداخلية
التي جرت في نهاية عام ٢٠٠٩ وأبعدت عن قيادة التنظيم معظم من يطلق عليهم أصحاب الرؤي
الإصلاحية والفكرية مثل عبدالمنعم أبو الفتوح و إبراهيم الزعفراني ومحمد حبيب وفي المقابل
انضمام عددا أخر من القيادات الوسيطة الإكثر تنظيما وقربا من القيادات المحافظة .
وبعد الثورة التي تماهت معها قيادة التنظيم المنغلق
للإخوان في وقت متأخر ، كنا نظن أن الجماعة
ستتخفف من قيود التنظيم وهنا لا نقول حل التنظيم ولكن التخفيف من قيوده المفرطة ، إلا أن القيادة التنظيمية المنغلقة سعت أكثر لاحكام
السيطرة علي أعضاؤها خشية من الحرية التي ستزيل معها ثقافة " المحن والإضطهاد
" ويتسع جهاز استقبال المنتمين للجماعة الي ما لا يروق إلي هذه القيادة
وبدأت القيادة المنغلقة للتنظيم في ابعاد عدد من
شبابها الذي شارك في الثورة والاعداد لها منذ بدايتها مع غيره من التيارات الأخري والذي
تمثل في فصل تعسفي لعدد من شباب الإخوان الذين أسسوا مع زملاؤهم من التيارات الثورية
ائتلاف شباب الثورة وأبرزهم اسلام لطفي ومحمد القصاص وأحمد عبالجواد الذي لولا وجودهم
منذ بداية الثورة في ٢٥ يناير ما ذكر للإخوان اسم في هذه الثورة التي تماهوا معها متأخرين
وعلي مهل رغم أن الالاف من صفوفها لم يستطيعوا انتظار التكليفات بالنزول الي الشارع
، واخذت قيادات الجماعة موقفها من هؤلاء الشباب مبكرا بداية من يوم معركة الجمل الذي
قرر مكتب الإرشاد سحب أعضاء الجماعة من الميدان بعدما تناقلت الأخبار والتهديدات بحدوث
مجزرة في ذلك اليوم ، ويروي هؤلاء الشباب الذي تم فصلهم في مذكرة طويلة قدموها لاعضاء
مجلس شوري الجماعة اعتراضا علي فصلهم التعسفي : " يوم الأربعاء ٢ فبراير وأثناء
الاشتباكات عرفنا من أحد الإخوان من وسط القاهرة أن الجماعة أصدرت قرارا بالانسحاب،
فطلبنا من الأخ ط . ج –وكان في طريقه للميدان- أن يذهب أولا إلى مكتب الإرشاد – وكان
ذلك يوم الأربعاء المغرب- للاستيضاح ، والتقى
د. محمود عزت في مقر النواب بالإخشيد، وأخبر د. محمود عزت( ط . ج ) : (أنا هقول لك
القرار اللي أخدناه وهو الانسحاب، وتم إبلاغ الميدان بهذا القرار) ، فاتصل ( ط . ج
) بأحمد عبدالجواد في الميدان ليبلغه وأعطى
التلفون للدكتور محمود عزت، الذي أعاد له الكلام وأكد على صدور القرار وحاول أحمد أن
يناقش الدكتور في الأمر لكن الخط انقطع.. فتم التواصل مع ( ا . هـ )
بصفته قناة الاتصال مع مكتب الإرشاد - وتم إبلاغه برفضنا الانسحاب، وأن الانسحاب
يعني القضاء على الثورة، وأن شباب الجماعة ورجالها مستعدون للدفاع عن الميدان حتى آخر
فرد.
وقام محمد القصاص بالاتصال ببعض الأشخاص ليطلبوا
من الشيخ القرضاوي أن يقول كلمة لدعم الثوار في الميدان ... وهو ماتم وكان له بالغ
الأثر ، وحدث التراجع عن قرار الانسحاب وصمد الناس "
وتبع ذلك رفض هذه المجموعة دعوة عمر سليمان نائب
المخلوع حينها للحوار ، فاتصل الدكتور محمد مرسي مرشح الجماعة للرئاسة حاليا بأحمد
عبدالجواد مطالبه بأن يختار ممثلين للائتلاف لحضور الحوار مع سليمان إلا أن عبدالجواد
أبلغ المرشح الرئاسي رفض الإئتلاف المشاركة في التفاوض مع سليمان
واضمرت القيادة هذه المواقف من هذه المجموعة الثورية
التي خرج جهاز استقبالها عن قيادة التنظيم بل ورفضت توجيهاته بل اثرت علي صنع القرار
في هذا التنظيم أثناء الثورة ، فكان القرار التنظيمي هو ابعادهم بأي طريقة
واستماتت قيادة الجماعة في الحفاظ علي التنظيم والسيطرة
الكاملة عليه ، فحينما اعلنت عن تشكيل حزب
قررت ان تختار مؤسسيه فردا فردا ونقل عن الدكتور محمود عزت نائب مرشد الجماعة
: " اننا سنكون آثمين ام لم نختار الربانيين الطائعين لتكوين هذا الحزب
" ورغم شروط الاختيار القاسية للأعضاء المؤسسين خشية أي انشقاق قررت الجماعة ان
يختار مجلس شوراها رئيس الحزب ونائبه و أمينه العام ومكتبه التنفيذي وكانوا كلهم اعضاء
في مكتب الإرشاد لاستكمال سيناريو السيطرة التنظيمية الكاملة ، واختارت المكاتب الإدارية
للاخوان في المحافظات مكتب أمانة كل محافظة ، بل يتابع نشاط أمانة الحزب في المحافظة
مسئول الإخوان بها
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الجماعة تأسيس حزبها ،
حاولت مجموعة من الشباب تقديم مبادرة بعقد مؤتمر شبابي يناقش عددا من القضايا الداخلية
الساخنة ، وذهبوا بمقترحاتهم الي مكتب الارشاد واجتمعوا حينها بسعد الكتاتني ومحيي
حامد و محمود ابو زيد وعرضوا مشروعهم وبعد اجتماعات متكررة رفض مكتب الارشاد دعم المبادرة
والمؤتمر ، لمجرد انهم قرروا دعوة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور محمد حبيب
, وتدخل الدكتور محمد مرسي وقال لهذه المجموعة انكم خالفتم اتفاقكم معنا ، وحسب مذكرة
الطعن علي فصل مجموعة من شباب الاخوان التي قدموها لمجلس شوري
الجماعة ، انه وجه نقدا لاذعا للمجموعة وبدأ يسألهم
عن رجعوهم لمسئوليهم في الاخوان قبل الحضور لمكتب الارشاد ، ووجه نقدا لاذعا لاختياراتهم
لضيوف المؤتمر قائلا : " اللي ييجي بس أعضاء المكتب ... د. عبد المنعم ود. حبيب
مش هينفع ييجوا.. أنا أعرف عنهم أكتر منكم ، وعارف انكم هتطلعو من هنا تجرو على الإعلام
تقولوا الكلمتين دول" وانتهي الأمر بإ
صراره علي ان يصدروا تصريحا لموقع الجماعة بإلغاء أو تأجيل المؤتمر ، إلي ان فوجئوا
بالمرشح الرئاسي الحالي يعلن علي لسانهم بإلغاء المؤتمر
ولعل اخر حروب القيادة التنطيمية المنغلقة للحافظ
علي حالة الشمولية التي ورثوها من النظم التي حكمتهم واضهدتهم هو خوضهم ، هو خوض الجماعة
لمعركة وسباق الرئاسة هو مشروع استراتيجي ليس من أجل مصر بل من أجل الحفاظ علي التنظيم
وفقط ، حيث سعت الجماعة أن ترشح أحدا من غيرها يملك قوة منافسة أبوالفتوح فيما يملك
فسعت وراء المستشار طارق البشري والمستشار أحمد مكي والمستشار حسام الغرياني ، ولما
رفضوا جميعا سعوا وراء دعم نبيل العربي ولما رفض ، رضي عدد غير قليل من القيادات دعم
منصور حسن وزير اعلام السادات ، فلما تراجع وتناثرت الأخبار أن الجماعة باتت بلا مرشح
تدعمه بدأت أعداد غفيرة من ابناء الجماعة تتجه لدعم أبو الفتوح بل دخل عدد منها في
ادارة حملته الرئاسية
فخوفا من ان يسحب المنشق الإخواني بساط هذا التنظيم
من تحت أقدامهم ، قدمت قيادات التظيم منافسها خيرت الشاطر ومن ثم بديله الحالي حفاظا
علي انشقاق التنظيم الذي تتوق افراده لوصول مشروعهم الاسلامي لقمة رأس الدولة
من حق جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة
التقدم علي المنافسة مثل أي حزب سياسي ، ولا يجب انكار هذا الحق عن أي تيار سياسي طالما
التزم بالقواعد التي ينظمها القانون والدستور ، لكن ما نخشي منه ان الهف الاستراتيجي بالحفاظ علي التنظيم ينتقل الي الدولة التي ستصبح تنظيما يحمي دولة الإخوان
،
الإخوان حين يحافظون علي تنظيمهم بهذا الشكل الحديدي
، خشية أي انشقاق فهم يرونه السبيل للحفاظ علي دين الله ودعوته في الأرض التي يظنون
أنفسهم مؤتمنين عليها وحدهم
ووفقا لتفكير وادبيات وتربية الإخوان لصفهم قإن
التنظيم هو صمام الأمان للحفاظ علي هوية الدولة من أي تبديل أو تعديل .
والقلق الأن من أن تحول قيادة هذا التنظيم المنغلق
مؤسسات الدولة الي تنظيم يعود في قرارته الي مجلس شوري الجماعة الذي يسعي للحفاظ علي
دولة الإخوان ، فتعود البلاد الي حكم شمولي جديد يسيطر وفق منطلقاته الدينية ، وربما
منطق دولة التنظيم يعود بالفكر الاسلام السياسي السني الي ردة حكم بابا الكنيسة في
أوربا ابان القرون الوسطي أو حكم المرشد الأعلي وآيات الله في إيران .