Sunday, November 6, 2016

”الدولجية ” من محجوب عبدالدايم إلى إبراهيم الجارحي



لم يفتأ نظام في تجنيد من يدافعون عنه ويوارون عوراته سواء كانوا صحفيين أو كتاب أو فنانين ومثقفين ولعل أبرز من قام بذلك في العصر الحديث  لصالح نظام كان محمد حسنين هيكل ، والذي يمكن رصد تجربته تلك في كتابه النادر " أزمة المثقفين " وهو تجميع لعدد من مقالاته في جريدة الأهرام إبان حكم عبدالناصر ، 
ويعود فضل التعرف علي هذه التجربة من جهد الزميل الكاتب والباحث الراحل خالد السرجاني الذي عرض الكتاب في جريدة الدستور عام ٢٠١٠ عندما أصدر هيكل المجموعة الكاملة من أعماله دون أن يضم هذا الكتاب لها فما كان من الموسوعي الراحل السرجاني الا التقاط هذه الفكرة وعرض الكتاب في إطار  كشف وضع المثقفين في «الحظيرة» بأنها سياسة مستمرة منذ ثورة يوليو وحتي زمن كتابة المقال - في عهد مبارك - فما يفعلة فاروق حسني من خلال الإعداد لمؤتمر للمثقفين وما طالب به مبارك المثقفين في هذا الوقت بالوقوف مع الدولة في مواجهة خطر التطرف أو الفتنة الطائفية طالب به نظام عبدالناصر في صيغة أخري وحول قضايا مختلفة.وسأترك لكم لينك مقال الراحل خالد لاهميته لكن 

ما ذكرني بالمقال وكتاب هيكل هو أن استدعاء " المثقفين " لحظيرة النظام  سياسة لم تتوقف حتي في عهد
 السيسي ولكن مع اختلاف الوسطاء و الفئة المستهدفة لدخول الحظيرة فاليوم ليس هيكل أو موسى صبري أو فاروق حسني أو حتي سمير رجب ،  الذي يقوم بهذا الدور حاليا  لصالح السيسي هم مجموعة من الضباط  الذين عملوا معه في مكتبه عندما كان مديرا للمخابرات الحربية ففي الوقت الذي عينه الرئيس المعزول محمد مرسي وزيرا للدفاع ، اختار السيسي العميد أركان حرب  أحمد محمد علي الذي اشتهر ب " جاذب النساء " والذي كان له دور مهم في موقعه ذلك بربط الصحفيين بشخص السيسي ، حيث استقبل علي في مكتبه بالمخابرات الحربية العشرات من الصحفيات والصحفيين الذين كان يوجههم بشكل مباشر وغير مباشر حسب الشخص لانتقاد الرئيس وقتها محمد مرسي ، حتي ان مكتب مرسي حصل علي تسريب مسجل لعلي مع صحفية كانت تعمل في وكالة أنباء كبيرة يسب فيها شخص مرسي وطقم العاملين معه ، وكانت هذه أول تجربة للسيسي لصناعة " الدولجية " 

وتطور الأمر بعد الانقلاب العسكري بإدارة مباشرة من اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي عندما كان مديرا للمخابرات ثم مدير مكتبه وهو وزير دفاع  والذي انتقل معه بنفس الصفة في رئاسة الجمهورية ففي التسريب الشهير لعباس كامل  المعروف ب " الأذرع الإعلامية " والذي كان عبارة عن محادثة هاتفية بين كامل وأحمد علي وخلال المحادثة يلقن عباس المتحدث العسكري ، خطة  لحملة إعلامية، لـ "تهييج" الناس لمصلحة السيسي، حين كان مرشحاً للرئاسة.وتحدث عباس عن الإعلاميين واصفا اياهم  "بتوعنا"، الذين سيشاركون في الحملة "التهييجية" للشعب، وذكر منهم أحمد موسى، وائل الإبراشي، إبراهيم عيسى، وأماني الخياط، و"العيال بتوع أون تي في"، إلى جانب أسامة كمال، نائلة عمارة، ورئيس تحريرقناة "الحياة" محمود مسلم. وأضاف أنه "عندك رولا والبنت بتاعتنا اللي اسمها عزة مصطفى ومحمود سعد"، الذين سيقومون نصاً بتنفيذ تعليمات مدير مكتب السيسي ،وهؤلاء يعتبرو النسخة الأولية المنظمة ممن يمكن تسميتهم " الدولجية " الذين كانوا لسان حال السيسي كمرشح للرئاسة حينها 

ومع وصول السيسي لسدة الحكم أكمل مدير مكتبه سياسة صناعة " الدولجية " من إعلاميين جدد لا تشوبهم سلبيات النسخة الأولي  ، فعمد الي ما يسمى شباب الإعلاميين وهم مجموعة الصحفيين والكتاب  والمذيعين الشباب الذين لم تتلوث أسمائهم في مهاجمة ثورة ٢٥ يناير ، ومنهم من يظهر بصورة العاقل غير التابع مباشرة وتتآرجح هذه القائمة زيادة ونقصانا وحضورا وغيابا حسب الحدث 

واهتم مكتب عباس كامل بالمواجهة الالكترونية فعمل علي تقديم النسخة الثالثة من " الدولجية " الذين يفتخرون بهذا الاسم وتم الكشف عن عملهم التنظيمي في إطار جروب مغلق علي الفيس بوك يدعى " اتحاد مؤيدي الدولة " وظهر نجومهم في مؤتمرالشباب متحدثين أمام السيسي ومنهم ابراهيم الجارحي  ومحمد نجم الذي تحول من ناشط إلكتروني الي باحث اقتصادي  
هذه المجموعات يؤكد المقربين منهم أن من يدير نشاطهم بشكل مباشر الرائد أحمد شعبان، ضابط المخابرات الحربية  - وحسب تحقيق صحفي لموقع مدى مصر - شعبان  لعب الدور الأبرز في تشكيل قوائم المرشحين الموالين للنظام سواء على مقاعد القائمة أوالمقاعد الفردية، والذي يعمل معاوناً لصيقا للواء عباس كامل مدير مكتب السيسي في قصر الاتحادية الرئاسي وهو نفسه الذي يكتب عمود يومي في صحيفة اليوم السابع تحت اسم " ابن الدولة " والذي لا يفوته تشجيع اللعبة الحلوة لأيا من هؤلاء الدولجية بعمل لايك علي بوست هجومي او دعائي او المشاركة المباشرة بتعليق باسمه وحسابه علي الفيس بوك الذي يظهر فيه الصداقات الالكترونية بالأجيال الثلاثة من " الدولجية " 

والشئ بالشئ يذكر أن هذه اللجان تشبه في تكوينها وليس تأثيرها اللجان الالكترونية لخيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان عندما حاول تقديم نفسه كزعيم ل " مشروع النهضة " ومرشحا لرئاسة الجمهورية 

الشاهد الذي بدأت به أن كل نظام يسعي لحشد من يدافعون عنه ويطبلون له ، لكن الفارق ان منظر فكرة حظيرة المثقفين في عصرنا الحديث هو الراحل محمد حسنين هيكل وهو من هو اتفقنا او اختلفنا معه , وتبعه في نفس المجال مثقفين وفنانين قاموا بهذا الدور لصالح عبدالناصر والسادات ومبارك ،ورغم الخلفية العسكرية للرؤساء الثلاثة لم نرى في المشهد عسكريا يقوم بهذا الدور بصفته ووظيفته العسكرية فقد طاف بِنَا الأديب الراحل فتحي غانم بشخصيات الصحفيين الذين يتحولون الي دولجية في روايته " الرجل فقد ظله " والتي غالبا ما كانت تروي سيرة هيكل نفسه وفي روايته الأشهر " زينب والعرش " حتى الشخصية الأسوأ  " محجوب عبدالدايم " التي رسمها الأديب الراحل نجيب محفوظ لم تصل لمستوي " دولجية " السيسي المتعسكرين "

 فكل الشخصيات الصحفية والأدبية  التي قادت حركة حظيرة الدولة كانت تحاول ان تمدنها وتخرج الرؤساء  العسكريين عن هذه الصفة بينما " دولجية السيسي " يحرصون كل الحرص علي عسكرة تأيدهم لهذه السلطة ، حتي ان محجوب عبدالدايم نسخة السيسي  الجديدة كتب بيانا " عسكريا  " يؤكد فيه أنه جزء من هذا النظام وأنه على أتم الاستعداد للتضحية بحياته في سبيل الدفاع عنه

Sunday, July 31, 2016

ما الذي يمكن أن تحدثه مبادرة عصام حجي


أثارت المبادرة التي طرحها الدكتور عصام حجي  في حواره مع شبكة التلفزيون العربي جدلا واسعا واهتماما كبيرا ، المبادرة التي طرحها الرجل تتلخص في تشكيل فريقا رئيسيا يعد برنامجا لمرشح او عددا من المرشحين للرئاسة في ٢٠١٨ ،
حجي لم يذكر في حواره أي اسماء و لم يطرح نفسه كمرشح كما فهم البعض ، وإن كان فريق المبادرة بالفعل لديهم عددا من الأسماء التي يمكن أن نتفق أو نختلف معها

المبادرة التي يمكن أن يراها البعض غير واضحة المعالم أو حتى سطحية ، تأتي أهميتها أنها ألقت حجرا في بركة الماء الراكدة وتفتح مجال واجب النقاش فيه ودراسته حاليا،  كيف نواجه هذا النظام في الفترة القادمة

بقي لدينا عامين فقط على الانتخابات الرئاسية دون أن يفكر أحد في وقعها والاستفادة منها في توسيع المجال العام ، حيث ستختلف عن زيف " انتخابات " ٢٠١٤
" المنقذ " عبدالفتاح السيسي فقد الكثير من بريقه و قفز من مركبه أغلب من سانده أو توافق معه أو صدق أكاذيبه بأنه غير طامع في حكم مصر
“ المنقذ “ تم اختباره ك " رئيس "  قدم فيها الرجل ومؤسسته العسكرية التي يستند إليها  كل براهين الفشل والتراجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي
بل أقدم علي خطوة أهدرت الصورة النمطية عن المؤسسة العسكرية في الحفاظ علي أرض الوطن ، بتنازله عن جزيرتي تيران وصنافير
ولم يتبق معه الا آلة القوة والبطش بالإضافة إلي الأبواق متدنية المستوى من طراز مصطفي بكري وأحمد موسي - ولا أقلل من تأثيرها طبعا -

اذن ما هي الخطوة التالية في مواجهة هذا النظام السلطوي الذي يعد الأكثر قمعا في تاريخ مصر الحديث ، وما هو الأفق السياسي السلمي لهذه المواجهة ، هل سنظل نتباكى في اطار المظلومية ، أم ننشد خيالا تحت اسم توحد الصف الثوري ،
يخال للبعض أن ظروف التغيير تتشابه أو يمكن تكرارها ، كأن تقوم ثورة جديدة على غرار ثورة 25 يناير ، أو أن انقلابا داخليا يمكن أن يحدث فيؤثر على ظهير عبدالفتاح السيسي في المؤسسة العسكرية ، 

لا يوجد “ مانفستو “ لعملية التغيير السياسي يمكن أن نقتبس منها فصل الإطاحة بالنظام السلطوي ،
في تقديري هذا النظام مشغول بالمواجهة ، ويجب في هذه اللحظة أن نشغله بالمنافسة ، وبالتأكيد كونه نظام عسكري سلطوي سيحاول نقل مرحلة المنافسة الي مربع المواجهة فقط مستخدما أدواته السلطوية والتعسفية ، لكن الإصرار على فكرة المنافسة ستضعفه وستضعه في مجالات المقارنة ماذا قدم وماذا يمكن أن يقدمه المنافس ، بماذا وعد وكيف لم يفي بوعده

وفي مجال المنافسة ليس شرطا أن نتحد وراء مرشح أو برنامج محدد فهذا لن يحدث مرة أخرى ، لكن ما يجب أن نتحد عليه هو الاتجاه لفكرة المنافسة وطرح البدائل وأننا لسنا أسرى حالة الاستقطاب العمياء التي أصلتها “ الدولة العميقة “ لهذه السلطة
العمل علي فكرة المنافسة يجب أن يكون  الغرض الأساسي منه هو فتح المجال السياسي العام لروح المنافسة التي حدثت بعد ثورة يناير في تكوين الأحزاب السياسية والمنافسة الانتخابية في انتخابات البزلمان والرئاسة عام ٢٠١٢
أن يجهز كل طرف سياسي بديل عن هذه السلطة وأن يقدم مشروع رئاسي مشابه لفكرة عصام حجي لمنافسة السلطة الحالية في انتخابات ٢٠١٨ .

وأنا لست حالما فلا النظام سيستقبل فكرة المنافسة بالورود ، ولا المشاريع المنافسة ربما يكون لديها النضج الكافي على النجاح والمواجهة .

لكن الهدف الرئيسي من هذه المنافسة  يجب أن يكون اعادة فتح المجال العام للحياة السياسية في مصر  والذي من خلاله يمكن الضغط على هذا النظام من أجل احداث اصلاحات سياسية تدريجية تقوم على إلغاء القوانين المشبوهة و رفع سقف الحريات و اعادة إحياء الحراك الحزبي ، ويقترن هذا الضغط  بقوة روح ثورة ٢٥ يناير لدي جميع الأطراف السياسية ، فهي الحالة الوحيدة التي لم يستطع النظام القضاء عليها رغم قوة عسفه بكل المؤمنين بثورة يناير .

فكرة المنافسة بالقطع ستواجهها تحديات كبيرة خلافا لمواجهة ورفض النظام لها ،  فسيرفضها الاخوان الذين يعيشون تحت مخدر “ عودة مرسي “ كشرط لعودة الديمقراطية ، كما سيرفضها مرضى فوبيا “ القلق من عودة الاخوان “ ،
 كما سيواجه فكرة المنافسة محاولة استغلالها من قبل  “ الدولة العميقة “ التي ربما تغير من جلدها معها حفاظا علي مصالحها الاستراتيجية
لكن في تقديري أن المؤمنين بالديمقراطية الحقيقية والتغيير السلمي للسلطة ليس أمامهم سوي هذا المسار حاليا ، والذي لا يعني مطلقا انفصاله عن أى مسار ثوري وحراك في الشارع .